احتفلت الحدائق النباتية الملكية الإنجليزية "كيو جاردنز" (Kew Gardens) بإنجاز كبير للحفاظ على النباتات البرية المهمة والنادرة والمهددة بالانقراض، بعد نجاح بنك الألفية للبذور الخاص بها، الذي وصفه العلماء بأنه "سفينة نوح للنباتات"، في جمع أكثر من 2.4 مليار بذرة فردية تمثل ما مجموعه 40 ألفا و20 نوعا مختلفا من النباتات البرية.
ومع وجود نوعين من كل 5 أنواع نباتية مهددين بالانقراض، أصبحت بنوك البذور الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى في توفير نسخة احتياطية من النباتات المهددة بالانقراض.
يعد بنك الألفية للبذور أكبر مرفق لتخزين البذور البرية في العالم، ويقع في قلب مدينة ساسكس، وهو برنامج رائد لحفظ البذور تقوده "كيو جاردنز" ويحمل لقب موسوعة غينيس للأرقام القياسية "لأكبر بنك بذور في العالم".
يوجد به 98 ألفا و567 مجموعة بذور جاءت من 190 دولة ومنطقة، عبر جميع القارات السبع، و9 مناطق جغرافية حيوية، و36 نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي.
ويتم تخزين البذور النادرة والمهددة من جميع أنحاء العالم في خزائن مقاومة للإشعاع والقنابل والفيضانات.
يقول لورد بينيون وزير الأمن الحيوي في حكومة المملكة المتحدة "ستكون المجموعة الرائدة عالميا من النباتات المتنوعة أداة مهمة في مواجهة التحديات التي تواجه أمتنا اليوم، ومن ذلك الحفاظ على أمننا الغذائي، وفقدان الأمن البيولوجي وتغير المناخ".
وأضاف "هذه المجموعة البارزة مثال آخر على مكانة بريطانيا العظمى بوصفها رائدة عالمية في مجال الأمن البيولوجي للنباتات وتجسد مثالا يحتذى به في العالم".
وتقول الدكتورة إلينور بريمان القائدة البحثية الأولى في بنك الألفية للبذور "تقع أكبر مجموعة نباتات في العالم وأكثرها تنوعا داخل أقبية بنك الألفية للبذور، وذلك يجعلها أداة لا تقدر بثمن للعلماء الذين يتعاملون مع أزمة التنوع البيولوجي العالمية".
وأضافت "لا يتعلق حفظ البذور بملاحقة الأرقام فحسب، بل يتعلق بزيادة التنوع الجيني للمجموعات وإطلاق العنان لإمكاناتها لحل بعض أكبر التحديات التي نواجهها اليوم، من فقدان التنوع البيولوجي إلى الأمن الغذائي إلى تغير المناخ".
وفقًا لتقرير "حالة النباتات والفطريات في العالم" الصادر عن "كيو غاردنز" لعام 2020، فإن نباتين من كل 5 نباتات على مستوى العالم مهددان بالانقراض بسبب تدهور النظم البيئية الطبيعية، وزيادة حالات عدم اليقين التي يسببها تغير المناخ.
وقد جاء تحديد الحفظ خارج الوضع الطبيعي، مثل بنوك البذور، ليمثل طريقة واحدة لحماية التنوع البيولوجي والجيني، ويعتقد العلماء أنه يجب اتخاذ خطوات جادة لإحداث تغيير إيجابي في الطبيعة في المستقبل.
وعلى عكس بنوك الجينات التي تركز على دعم تنوع نباتات المحاصيل الغذائية، مثل قبو سفالبارد العالمي للبذور -بنك بذور آمن يقع في القطب الشمالي النائي ويضم مجموعة متنوعة من بذور النباتات في كهف تحت الأرض- فإن مجموعات بنك الألفية للبذور لا تمثل سوى النباتات البرية المهددة والمفيدة.
وظهرت أهمية قبو سفالبارد العالمي للبذور في عام 2016، إذ افتتح لإخراج حبوب نباتات كانت قد تأثرت بالحرب في سوريا واندثرت في حلب، وهو يعدّ محاولة للتأمين ضد فقدان البذور في الأزمات الإقليمية والعالمية.
وتحتوي النباتات البرية، مثل الأقارب البرية للمحاصيل التي نستهلكها، على تنوع أوسع بكثير من الجينات والصفات التي يأمل الباحثون أن تطلق العنان لإمكانية استهداف التحديات بما في ذلك تغير المناخ والجفاف والأمراض والآفات.
بوليصة لتأمين مستقبل التنوع البيولوجي العالمي
يقدر العلماء أن خمسي جميع النباتات مهدد بالانقراض في البرية، والخسارة مدفوعة إلى حد كبير بفقدان الموائل وتغير المناخ.
وفي محاولة لمعالجة هذه المشكلات، أنشئ بنك الألفية للبذور منذ أكثر من 20 عاما لتوفير شبكة أمان لتخزين بذور النباتات البرية.
وفي عام 2010 قال عالم الطبيعة السير ديفيد أتينبارا عن بنك الألفية للبذور "ربما يكون أهم مبادرة للحفاظ على البيئة على الإطلاق"، وأضاف أنه ليس فقط "بوليصة تأمين ضد نهاية العالم" لكنه مورد لإنقاذ النباتات "التي تتأرجح على حافة الانقراض".
وبحلول عام 2020 شهدت جهود بنك البذور ما لا يقل عن 350 شريكا في 74 دولة يخزنون بذور أكثر من 57 ألف نوع في بنوك البذور في أنحاء العالم.
وتتجاوز حماية التنوع البيولوجي مجرد تخصيص النباتات الأكثر تهديدا وفائدة للحفظ، فهي تنطوي على حماية التنوع الجيني المذهل الموجود داخلها، وهذا يشمل حماية الأقارب البرية للمحاصيل التي نستهلكها اليوم من خلال الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية (الحفظ في الموقع) وتخزين المواد الوراثية في بنوك البذور (الحفظ خارج الموقع الطبيعي).
ويقوم العلماء بالبحث عن تقنيات مثل الحفظ بالتبريد (تجميد البذور وتخزينها بسرعة في درجات حرارة منخفضة) لزيادة قابليتها للحفظ، بينما يقوم المتخصصون في الإنبات باختبار البذور كل 10 سنوات وتعظيم استخدامها المحتمل لإصلاح الموائل أو مشاريع الاستخدام المستدام.
وبذلك يكون بنك الألفية للبذور بوليصة تأمين لمستقبل التنوع البيولوجي العالمي، كما أنه أداة لتعزيز العلاقات الجديدة وقدرة تخزين البذور داخل البلدان الشريكة، وتوفر معايير حفظ البذور مجموعة أدوات مفيدة للبلدان والمؤسسات لزيادة جودة وتنوع مجموعات البذور الخاصة بها بموجب معيار حفظ مشترك معترف به دوليا.