التوسع في زراعة نباتات العطرية والطبية تمثل دخلا قوميا كبيرا لعدد محدود من الدول على مستوى العالم، أهمها الصين والهند، وهى "النباتات الطبية والعطرية"، تلك النباتات التي تدخل في صناعة الأدوية والعطور ومستحضرات التجميل، والأغذية، والمبيدات، والتي تمثل أملا حقيقيا لدعم اقتصاد أي بلد يبحث عن مستقبل، بجانب النباتات البرية والتي تنمو كما نقول "ربانيا" أي دون تدخل بشرى، وأشهرها في سيناء وجنوب البحر الأحمر، والتوسع في مصانع إنتاج العطور.
بدأت مصر إنتاج نباتات الزينة وزهور القطف لتلبية الطلب المتزايد عليها
في حقبة السبعينات، بدأت مصر إنتاج نباتات الزينة وزهور القطف لتلبية الطلب المتزايد عليها في المدن الجديدة والمشروعات السياحية، وفى وقت قصير اتجه بعض المنتجين للتصدير لبعض دول الخليج العربي، مستفيدين من خصائص النباتات المصرية القادرة على تحمل الظروف المناخية المشابهة للمناخ المصري.
تتفوق زراعة وصناعة الزهور ونباتات الزينة على غيرها من المحاصيل
وتتفوق زراعة وصناعة الزهور ونباتات الزينة على غيرها من المحاصيل الحقلية والبستانية في حاجتها للعمالة المكثفة، فكل طن يتم تصديره يوفر 300 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، كما أنها من المشروعات عالية الربح، مقارنة بغيرها حيث يوفر الفدان من العملة الصعبة ما يوازى 35.6 ألف يورو سنوياً إلا أنه وبالرغم من ذلك لا تشكل 0.02% من إجمالى الصادرات العالمية التى تتخطى 400 مليار دولار.
وفقاً لإحصائيات غير دقيقة من وزارة الزراعة، يبلغ متوسط المساحة المزروعة بالزهور ونباتات الزينة 11 ألف فدان، يزرع منها للتصدير ما يقرب من 650 فداناً فقط، وقد اشتهرت مصر قديماً بزراعة الورد البلدي الذى قامت هولندا باستنباط أصناف عديدة منه، لتعيد تصديره لمصر فى أشكال أخرى، وتتميز مصر بميزة تنافسية في مجال زهور القطف حيث إن مناخها المعتدل طوال العام والعمالة المنخفضة، وتجمد السهول الأوروبية خلال فصل الشتاء، تساعد في أن تصبح مصر حديقة خلفية للدول الأوروبية المتعطشة لزهور القطف، حيث لا تحتاج مصر أجواء صناعية (صوب زراعية)، وهو ما دفع عدداً من المنتجين إلى تقديم رؤية متكاملة للرئيس السيسي لاستغلال مشروع الـ100 ألف صوبة في إنتاج الزهور.
تدشين بورصة للزهور ونباتات الزينة
فيما تعمل وزارة الزراعة، على تدشين بورصة للزهور ونباتات الزينة، لخدمة المزارعين والمصدرين وتوفير مستلزمات الإنتاج المختلفة، حيث جاء التفكير فيها بسبب تنامى قطاع زراعة هذه النباتات وتصديرها إلى الخارج، خاصة أن العام الماضي شهد تصدير 41 ألف طن زهور بإجمالي 62 مليون دولار، وإن الهدف الأساسي للبورصة هو تجميع مزارعي نباتات الزينة والزهور في كيان واحد يوفر لهم مستلزمات الإنتاج والخدمات اللازمة وتسهيل عمليات التصدير، والعمل على فتح أسواق جديدة سنويا أمام الصادرات المصرية.
من جانبه أكد الدكتور سيد خليفة، رئيس قطاع الإرشاد الزراعي، والمشرف على تنظيم معرض الزهور، أن هناك طفرة فى تصدير نباتات الزينة والزهور، حيث زادت الصادرات بنسبة 30% فى أعقاب قرار تعويم الجنيه.
قطاع الزهور يعد من القطاعات كثيفة العمالة حيث يوفر زراعة وتصدير طن واحد من الزهور حوالى 300 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، لافتاً إلى ان مصر تتمتع بميزة نسبية في المناخ والموقع مما يؤهلها لتكون من أهم منتجي الزهور في العالم أن كمية صادرات مصر من زهور القطف ونباتات الزينة خلال الموسم الماضي بلغت حوالى 41 ألف طن بإجمالي مبلغ 62.5 مليون دولار، مؤكداً ان الدول العربية تعد من أكبر الأسواق لنباتات الزينة المصرية، كذلك هناك طلب كبير للزهور المصرية فى عدد من البلدان الأوروبية.
أن القيمة الاقتصادية للنباتات الطبية والعطرية على كونها محصولاً تصديرياً داعماً للدخل القومى، بل هي مشروع اقتصادي متكامل يفتح المجال لإقامة العديد من الصناعات التي ترتبط بهذه المنتجات الزراعية، مما يساهم فى توفير فرص عمل كبيرة للشباب ، خاصة وأن مصر تمتلك مقومات التوسع في هذا المجال. وقام بالفعل العديد من المراكز البحثية المتخصصة بوضع مشروع قومي للنهوض بزراعة النباتات العطرية والطبية، من أجل التوسع في المساحات المزروعة بمصر ، لتصبح 250 ألف فدان بحلول عام 2030.
النباتات الطبية والعطرية :
تعتبر النباتات الطبية والعطرية من أقدم المجموعات النباتية التي عرفها واستخدمها الإنسان على مر العصور فى أغراض شتى وعرف المصريون القدماء النباتات العطرية والطبية ، وقاموا باستخدامها على نطاق واسع فى حياتهم فى الطب وفي استخلاص الروائح العطرة، ،وقد قاموا بتدوين استخدامهم للنباتات العطرية والطبية علي بردياتهم وعلى جدران المعابد ، وقد ترك المصريون القدماء إرثاً من مئات الوصفات بالبرديات الطبية مثل بردية " هيرست" و " ايبرس" و" برليت" المدون عليهم وصفات لعلاج أمراض العيون والحروق وأمراض النساء والولادة وبعض حالات الجراحة والأورام ،وبعض الأمراض الخفيفة مثل علاج الإمساك والإسهال والديدان والقروح ، كما استخدم الفراعنة الخواص المضادة للبكتيريا الموجودة في الزيوت العطرية بكثرة من أجل تحنيط الموتى ، فقد اعتمدوا في تحنيط جثث الموتى وحفظها من التلف على بعض النباتات مثل : الحنة والبصل والصمغ وخيار شمبر والمر واللبان ونشارة الخشب والكتان ونبيذ البلح.
أهمية النباتات الطبية والعطرية :
تعتبر النباتات الطبية والعطرية ذات قيمة اقتصادية كبيرة حيث يزداد الطلب عليها محلياً وعالمياً، خاصة مع ازدياد التوجه العالمي الحديث للتحول إلى كل ما هو طبيعي ،وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها، وأصبح لها أهمية اقتصادية وعائد تصديري مجزي وتتعدد المجالات التي يمكن أن تستخدم فيها النباتات الطبية والعطرية ،ومن أهمها
- تحضير بعض الأدوية مثل أدوية تسكين ألام المفاصل والالتهابات الروماتزمية وأدوية ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وكمطهر.
- إنتاج الزيوت الثابتة حيث تحتوى بذور بعض هذه النباتات على زيوت ثابتة تدخل فى تركيب بعض المستحضرات الطبية.
- تجهيز الأغذية الخاصة بعلاج مرض تصلب الشرايين والذبحة الصدرية مثل زيت بذرة الهوهوبا ، وعباد الشمس ، والكتان ، والخروع.
تحضير مساحيق التجميل وكريمات الشعر والصابون.
- تستخدم فى صناعة الروائح والعطور ومن هذه النباتات الورد ، والياسمين.
-تصنيع المبيدات الحشرية وهى تعتمد على ما يوجد بالنباتات الطبية والعطرية من سموم قاتلة سواء للحشرات أو الفطريات ومن بين هذه النباتات البيد ثرم ، والديرس ، والحناء والدخان.
- تستخدم كتوابل أو بهارات أو مشروبات أو مكسبات طعم أو رائحة.
مزايا اقتصادية متعددة.. ومورد واعد للدخل القومي المصري:
تعتبر النباتات الطبية والعطرية فى مصر من المحاصيل غير التقليدية التي توفر جزءاً من حصيلة النقد الأجنبي لخزينة الدولة ، وتحتل النباتات العطرية والطبية فى المحاصيل التصديرية المصرية وتحتل الصادرات المصرية من النباتات العطرية والطبية المركز الحادي عشر على قائمة الدول المصدرة بمساهمة سوقية تبلغ 2.23% من حجم الأسواق العالمية ، كما نجحت الصادرات المصرية فى اختراق ما يقرب من 40 سوقاً دولية بشكل جيد ، وتعتبر فرنسا أكبر سوق للمنتجات المصرية تليها الولايات المتحدة الأمريكية .
ومن أهم النباتات المطلوب تصديرها "الريحان" بأسواق (ألمانيا – أسبانيا – الولايات المتحدة – فرنسا)، "النعناع" بأسواق (المملكة المتحدة – الولايات المتحدة – فرنسا)، "الشمر" بأسواق (الولايات المتحدة – بلغاريا – ألمانيا – إيطاليا)، "الكراوية"بأسواق (كندا – الولايات المتحدة – تركيا – فرنسا)، "الكزبرة" بأسواق (السعودية – المملكة المتحدة – ليبيا – الأردن)، و"البابونج" بأسواق (ألمانيا - إيطاليا - إسبانيا - الولايات المتحدة).
وتحتل مصر المركز الرابع عالمياً في مجموع صادرات الزيوت العطرية والطبية ، تسبقها الهند التي تحتل المركز الأول في الدول المصدرة في العالم ، ومن أهم الزيوت التي تنتجها "زيت العتر، الياسمين، الريحان، القطيفة، البردقوش ، الكمون، الكزبرة، والنارنج بكميات متفاوتة.
ومن المقومات لتعزيز فرص مضاعفة إنتاجنا من النباتات الطبية والعطرية، أهمها
-المناخ المناسب ووفرة أشعة الشمس على مدار العام ، وبذلك يمكن إنتاج هذه النباتات فى الوقت الذى يغطى فيه الجليد أوروبا وغيرها من البلاد.
-تمتد رقعة البلاد إلى مساحات شاسعة من ساحل البحر الأبيض المتوسط معتدل المناخ شمالاً إلى حدود السودان حار المناخ جنوباً مما يعطى مجالاً كبيراً أمام اختيار النباتات الملائمة لكل مناخ.
-توفر الأيدي العاملة الماهرة والمدربة على عمليات الزراعة والجمع والتسويق.
-توافر أنواع مختلفة من التربة المناسبة لزراعة عدد وفير من النباتات الطبية والعطرية، مثل الأراضي الطينية الثقيلة والرملية الخفيفة والصفراء والجليدية وغيرها.
-توفر مساحات شاسعة من الأراضي المستصلحة أو قابلة الاستصلاح رخيصة الثمن والتي يمكن استغلالها فى مجال إنتاج النباتات الطبية والعطرية.
-توفر عدد من النباتات الطبية والعطرية التي تنمو برياً ولها أسواق في الداخل والخارج مثل : السكران المصرى، بصل العنصل، الخلة البلدي، الحنظل والعرقسوس.
يتميز الإنتاج المصري من النباتات الطبية والعطرية بالتنوع ،وينقسم إلى عدة مجموعات ويتم الاستفادة من مكوناته على النحو التالي:
الحبوب العطرية:
يطلق اسم مجموعة الحبوب العطرية على النباتات التى تنتج حبوباً تحتوى على زيوت طيارة. وبشكل عام تعتبر الكزبرة - الكمون - الكراوية - الينسون - الشمر - حبة البركة أهم الأنواع التي تنتج بصورة اقتصادية فى مصر طبقاً للمساحات المنزرعة.
الزهور: ويطلق اسم مجموعة الزهور أو أجزائها على مجموعة النباتات التى يكون الجزء الاقتصادى منها هو الأزهار الكاملة أو أجزائها مثل البتلات أو السبلات. ويعتبر البابونج – الكركديه – القرطم - الأقحوان (الكلانديولا) – التاجيتس (القطيفة) أهم الأنواع التى تنتج بصورة إقتصادية فى مصر طبقاً للمساحات المنزرعة.
البذور الزيتية:
يطلق اسم مجموعة البذور الزيتية على النباتات التى يكون الجزء الاقتصادى منها هو البذرة. ويعتبر القرطم – الخروع – الخردل أهم الأنواع التى تنتج بصورة اقتصادية فى مصر طبقا للمساحات المنزرعة.
المساحة المزروعة
تختلف مساحة الأراضي التي تتم زراعتها في الوادي والدلتا بالنباتات الطبية والعطرية من عام إلى آخر ، وهى تتراوح ما بين 60-90 ألف فدان ، وقد بلغت طبقاً لإحصائيات عام 2009 نحو 86 ألف فدان، منها نحو 55 ألف فدان من الأراضي القديمة ، و31 ألف فدان من الأراضي الجديدة، هذا بالإضافة إلى المناطق التي تنمو فيها الأعشاب الطبية بشكل فطري في المناطق الصحراوية عقب مواسم سقوط الأمطار، والتي لا يمكن حصر مساحتها. وتستهدف خطة الدولة التوسع في المساحات المزروعة بمصر، لتصبح 250 ألف فدان بحلول عام2030.
وتعتبر الكزبرة والبابونج والبردقوش والريحان والكراوية والكمون والعتر والشمر والشطة والينسون والنعناع البلدي والحناء والنعناع الفلفلي والشبت والكركديه من أهم المحاصيل الطبية والعطرية المزروعة من حيث المساحة. وحول الخريطة الزراعية للنباتات الطبية والعطرية تحتل محافظات مصر الوسطى المركز الأول "كالمنيا وأسيوط وبني سويف والفيوم"، تليها في المركز الثاني محافظات مصر العليا، ثم محافظات وجه بحرى في المركز الثالث في حين تحتل محافظات أخرى خارج الوادي المركز الأخير.(15 )
وتعتبر الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسيناء عواصم عريقة لزراعة النباتات الطبية والعطرية ، أما أراضي الاستصلاح الجديدة في توشكى والنوبارية وشرق العوينات ودرب الأربعين وغيرها، فهي أماكن واعدة لهذه الأنواع من النباتات، خاصة التي تزرع دون استخدام كيماويات وتستخدم طرق الري الحديثة، وقد أصبح انتاجها يلقى رواجاً في الأسواق الأوروبية.(16 )
وتتربع بني سويف علي عرش النباتات الطبية في مصر، وخاصة في مراكز ناصر والواسطي وببا وسمسطا، وعلي مساحة تزيد عن 10 آلاف فدان حيث تعرف المنطقة بأنها المنطقة الأوروبية لشهرتها بتصدير النباتات العطرية، ويزيد حجم انتاجها عن 50% من الإنتاج القومي.