بعد الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، كانت هناك مخاوف من مواجهة الأعمال التجارية لأسوأ السيناريوهات الممكنة، فقد اختفى الزوار الأجانب وارتفعت أسعار الفائدة بعد أن توقعت روسيا انهيارًا اقتصاديًا نتيجة للعقوبات الغربية، ولم يكن لدى السكان المحليين وقتاً لتناول الطعام خارج المنزل.
لكن يبدو أنه لم يكن هناك داعٍ للقلق، فقد انعكست الأوضاع تمامًا على مدار العامين الماضيين، وأصبح الروس يمتلكون الآن أموالًا إضافية.
مع استمرار الحرب، أدى ارتفاع الأجور في قطاع الدفاع المزدهر إلى إجبار الشركات المدنية على مواكبة تلك الزيادة لجذب العمال في وقت يشهد فيه سوق العمل نقصًا حادًا في العمالة.
وكانت النتيجة أن روسيا وجدت نفسها بشكل غير متوقع في وسط طفرة في الإنفاق الاستهلاكي، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
يقول يانيس كلوج، الاقتصادي لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن “الأجور الحقيقية ترتفع بشكل هائل، فالعديد من المواطنين كانوا يفتقرون للمال قبل الحرب، لكنهم يمتلكون الآن مبالغ ضخمة”.
وتشير وكالة الإحصاء الروسية “روسستات” إلى أن الأجور الحقيقية زادت بنحو 14%، وارتفع استهلاك السلع والخدمات بنحو 25%.
ومن المتوقع تسجيل زيادة إضافية في الأجور الحقيقية بنسبة 3.5% هذا العام، بجانب توقع زيادة بنسبة 3% في الدخل الحقيقي المتاح.
كما وصل معدل البطالة إلى 2.6%، وهو أدنى مستوى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بعد أن كان من المتوقع أن يتراوح بين 7% و8% في 2022.
ويمكن الشعور بهذه الزيادة في الأجور عبر جميع طبقات المجتمع، مما أدى إلى تحول كبير في حياة شريحة العمال ذوي الياقات الزرقاء.
وتقول عالمة السياسة إيكاترينا كوربانجالييفا إن العاملون في صناعة النسيج، الذين كانوا يكسبون ما يعادل 250 إلى 350 دولار شهريًا في ديسمبر 2021، يمكنهم الآن جني 120 ألف روبل “أي ما يعادل 1400 دولار” شهريًا.
كما ارتفع متوسط راتب سائقي الشاحنات لمسافات طويلة بنسبة 38% على أساس سنوي.
في الوقت نفسه، أدت العقوبات الغربية والضوابط الرأسمالية الروسية إلى توجيه الأموال من المواطنين الأثرياء نحو القطاع الفاخر، مما أعطى لموسكو وسان بطرسبرغ، المعروفة بتقاليدها الثقافية، أجواء المدن المزدهرة الحديثة.
يشعر الكثير من الروس أن أوضاعهم المالية تتحسن، إذ تشير وكالة الإحصاء الروسية إلى أن أكثر من 13% من المواطنين الروس يقيمون وضعهم المالي بأنه “جيد”، وهو أعلى مستوى منذ بدء السجلات في 1999.
أما أولئك الذين يقيمون وضعهم المالي بأنه “سئ” أو “سئ جدًا” أيضًا يقعون عند أدنى المستويات على الإطلاق، إذ يستحوذون على حوالي 14% و1% على التوالي.
يشير الاقتصاديون إلى أن الطفرة كانت مدفوعة بشكل كبير بالإنفاق الحكومي والاستثمار المباشر في قطاع الدفاع، فضلاً عن الدعم من قطاعات أخرى مثل الزراعة والبنية التحتية وسوق العقارات.
حارب البنك المركزي الروسي لمواجهة هذه المبادرات وارتفاع التضخم الأساسي بنسبة 8.7%، محاولاً الحفاظ على سعر الفائدة عند 16% منذ ديسمبر 2023.
ويتوقع بعض الاقتصاديين تباطؤًا قريبًا مع حلول فصل الخريف.
عن ذلك، أفاد إيكا كورهونن، مدير معهد الاقتصادات الناشئة في بنك فنلند: “إذا نظرنا إلى الأرقام فقط، فإن السياسات الاقتصادية الكلية لروسيا غير متوازنة تمامًا”.
وأضاف أن “هذه الطفرة في الإنفاق لها تداعيات كبيرة على قطاعات أخرى من الاقتصاد”، مشيرًا إلى زيادة الأسعار.
وتابع: “حتى الآن لم يتمكنوا حقًا من خفض التضخم وكان ذلك مصدر قلق للحكومة والبنك المركزي”.
في الوقت الحالي، تعيد الثروة الجديدة للمستهلكين الروس تشكيل الاقتصاد المحلي والمجتمع نفسه.
أوضحت ألكسندرا بروكوبينكو، زميلة في مركز كارنيجي روسيا وأوراسيا، أن “المواطنين يحصلون على هذه الأجور المرتفعة. فما الذي يفعله الناس في روسيا؟ إنهم يستهلكون بجنون وهذا الاستهلاك يخلق الطلب المحلي”.
يتسارع تجار التجزئة والشركات الاستهلاكية للاستجابة لهذا الارتفاع، إذ تخطط “روستيك”، خليفة “كيه.إف.سي” في روسيا، لفتح 100 متجر جديد هذا العام، فيما لم يكن استهلاك القهوة الجاهزة في البلاد أعلى من أي وقت مضى، كما ازدهرت السياحة الداخلية.
أولئك الذين كانوا يتقاضون دخولاً منخفضة في السابق يزيدون طلبهم الآن على السلع المعمرة مثل الإسكان الأفضل أو السيارات بالإضافة إلى الخدمات مثل إصلاح المنازل والسياحة وتناول الطعام، كما تقول أولجا بيلينكايا، رئيسة قسم التحليل الاقتصادي الكلي في شركة الوساطة “فينام” في موسكو.
في الوقت نفسه، تباطأت تدفقات رأس المال من روسيا، فبعد الحرب أشار البنك المركزي إلى هروب رأس المال كخطر على الاستقرار المالي، لكنه أزال مؤخرًا هذا العامل من قائمة المخاوف.
تظهر آثار ذلك بوضوح في مجموعة متنوعة من القطاعات، فقد شهدت المدارس الخاصة في روسيا نموًا في الطلب مع عدد قياسي من الآباء الذين يدفعون الرسوم الدراسية، على سبيل المثال.
وفي سوق الفن الروسي المحلي، تباع بعض القطع بأسعار قياسية من قبل هواة الجمع.
كما حققت دور المزادات الروسية مبيعات أكثر في النصف الأول من 2024 مما حققته سنويًا في أي عام قبل بدء الحرب، وفقًا لتحليل بيانات المزادات.
ويقول أحد تجار الفن الروس الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة ديناميات السوق بحرية، إن “السوق الداخلية تنمو لأن هناك أشخاصا لا يزالون يريدون شراء شيء ما”.
كذلك، تجني قطاعات أخرى، مثل الترفيه، فوائد طفرة الإنفاق أيضًا.
يقول ساشا سكولوف، المدير الإبداعي لشركة “سيلا فيترا” للإبحار، التي تستهدف الطبقة المتوسطة والعليا في روسيا، إن العديد من عملائها كانوا يبحثون عن مغامرات داخل البلاد إما بسبب قيود السفر أو صعوبات الحصول على التأشيرات أو أسعار تذاكر الطيران الباهظة، وهذا لم يكن يحدث قبل الحرب.
وتعتبر الطفرة في الإنفاق الاستهلاكي في روسيا نتيجة مختلفة جذريًا عما كان يتوقعه الاقتصاديون في بداية الحرب.
يقول كلوج، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: “قبل عامين، كنا نتوقع سيناريو مختلفًا تمامًا، بشكل أساسي سيناريو يحدث فيه ركود اقتصادي مدفوع بانهيار الصادرات والبطالة، لكننا نواجه بدلاً من ذلك سيناريو مختلف تمامًا”.
وبعد فترة وجيزة من شن الحرب، عزز البنك المركزي الروسي ما يسمى بالحصن المالي، وبالتالي رفع أسعار الفائدة من 9.5% إلى 20% بين عشية وضحاها وفرض ضوابط رأس المال.
وأثبتت الصادرات الروسية أنها أكثر مرونة مما كان متوقعًا، وتمكنت من تأمين معظم السلع التي كانت خاضعة للعقوبات من خلال الواردات الموازية من دول أخرى.
وبحلول خريف 2022، كانت الحكومة الروسية قد كثفت بشكل كبير المشتريات العسكرية، فقد كان هذا هو المحرك للاقتصاد منذ ذلك الحين، كما يقول الاقتصادي كورهونين.
بالمقارنة مع 2021، وهو آخر عام قبل الحرب، زادت نفقات الميزانية بنسبة 20%، في حين وصلت حصة الدولة في الاقتصاد الروسي إلى ما يتراوح بين 50% و70%.
ويحدد البنك المركزي الروسي الإنفاق الحكومي باعتباره المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لتقرير نُشر في يونيو.
ارتفع الإنفاق المرتبط بالحرب بشكل كبير، من حوالي 23% قبل الحرب إلى نحو 40% الآن.
أحد أكبر المساهمين في الطفرة الاستهلاكية الأخيرة كان سلسلة من برامج الرهن العقاري المدعومة، فبعد الحرب بفترة وجيزة، كثفت الكرملين برنامج “الرهن العقاري للجميع”، الذي قدم قروضًا رخيصة للبناء الجديد كانت أقل بكثير من سعر الفائدة الرئيسي، وفي يونيو، كان القرض أقل من 8% مقارنة بـ16% على التوالي.
يقول سيرجي سكاطوف، خبير في سوق العقارات الروسي: “كان على السلطات أن تظهر أنه رغم كل الصدمات والعقوبات، سيكون بإمكان الناس شراء شقة”، مضيفًا أن ملكية المنازل تحمل “أعلى قيمة” في المجتمع ما بعد السوفييتي.
خلقت الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وسعر الرهن العقاري “فرصة مضاربة مفرطة لسوق البناء الجديد” وقادت إلى مبيعات قياسية، وزادت القيمة الإجمالية للرهن العقاري المحتفظ به في روسيا بنسبة 34.5% العام الماضي، وبالرغم من أن البرنامج ألغي في 1 يوليو، بعد مناشدات متكررة من البنك المركزي، فإن الآثار كانت دائمة.
أثارت الزيادة الحادة في الإنفاق العام قلق بعض المحافظين الماليين الذين نجحوا، بجانب البنك المركزي، في كبح جماح برامج الدعم الحكومية، والآن أصبحت هذه الآليات التمويلية أكثر انتشارًا.
يقول مسؤول حكومي روسي سابق رفيع المستوى إن “سوق العقارات المزدهر مدعوم بهذا البرنامج الممول من الدولة الخاص بالرهون العقارية المدعومة”.
وأضاف أن “قطاعات الزراعة والدفاع وصناعة النفط والغاز تُمول بالآليات نفسها، فقبل الحرب كنا نحاول تقييد هذه الآلية، فهي كانت تعمل على أساس استثنائي، أي في شكل عملية بعملية”.
لتغطية العجز الهائل في الميزانية، كان على روسيا اللجوء لأصول صندوق الثروة الوطني، ونتيجة لذلك، انخفضت أصولها السائلة من 8.7 تريليون روبل في يناير 2022، أو 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 4.6 تريليون روبل في نهاية يونيو.
تابع موقع اجرى نيوز عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
اجرى نيوز ، موقع إخباري يقدم أهم الأحداث المحلية والعربية والعالمية وخدمات صحفية محترفة فى الأخبار والاقتصاد والزراعة والعلوم والفنون والرياضة والمنوعات ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية.
لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، اخبار مصر ، اخبار الزراعة ، صناعة الدواجن ،الثروة الحيوانية ، بنوك واقتصاد ،اجرى لايف ،مقالات ،منوعات ، وخدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
دفعت قيادة البنك المركزي بشكل علني ضد الإنفاق الحكومي الأعلى دون نجاح يذكر، وبدلاً من ذلك، يواصلون تطبيق تدابير السياسة النقدية التقليدية، مثل رفع أسعار الفائدة، في محاولة لمنع الاقتصاد من الإنهاك وتفاقم التضخم.