الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446 ، 22 نوفمبر 2024

المحررين

من نحن

اتصل بنا

فوزي محمد أبودنيا يكتب ..نظرة تاريخية في التحسين الوراثي للحيوانات الزراعية

فوزي ابو دنيا
الدكتور فوزي محمد أبودنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية
أ أ
techno seeds
techno seeds
في أثناء قراءتي لموجز تاريخي عن تربية الحيوانات الزراعية ذهبت بي ذاكرتي الى أيام الطفولة وكيف كان الفلاح المصري يختار حيواناته، وهذا الموروث التطبيقي منذ أيام الفراعنة، كما ذهبت بي الذاكرة الى تذكر أول كتاب قمت بشرائه عندما تخصصت في مجال الإنتاج الحيواني في زراعة القاهرة إنتاج اللبن من الأبقار والجاموس للدكتور توفيق رجب والدكتور عسكر ثم تلاه شراء كتب التربية للدكتور احمد مستجير منها كتابالتحسين الوراثي لحيوانات المزرعة وكتاب دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشيةاللبن. كانت أيام وأصبحت من الذكرى.



في طفولتي لم يكن لدينا آلات مثل تلك الآلات الحديثة في للحرث والري والنقل ..الخ، بل كان الاعتماد كليا على الحيوانات الزراعية والدواب. وكان الفلاح المصري وقتها حريص على أن يقتنى أعداد من كل نوع حيواني واشد حرصا على قوة وإنتاجية هذه الحيوانات حيث تساعده في العمل الزراعي كما توفر له المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان وصوف يستخدمه في عمل غطاء الراس (الطواقي) وصناعة الأغطية الصوف لتدفئته من برد الشتاء ومآرب أخرى. كان الفلاح المصري يمارس علم التحسين الوراثي وتطبيق الانتخاب بالفطرة فترك لنا قطعان لها إنتاجيه جيدة ولابأس بها تتناسب مع زمانها وتعداد السكان حينها والقدرة المعرفية للفلاح المصري آنذاك، حيث أشار دكتور توفيق رجب في كتابه إنتاج اللبن من الأبقار والجاموس الى متوسطات إنتاج الألبان واللحوم من الأبقار البلدية والجاموس وهو كتاب يعتبر تاريخ للسلالات المصرية في تلك العهود القديمة التي حافظ فيها الفلاح المصري على حيواناته وحسن في إنتاجيتها وتركها لنا ليقوم علمائنا في العصر الحديث بإتلافها وإهدار مواردها الوراثية وهم يتغنون بالخلط العشوائي مع السلالات الأجنبية الذى وصلوا اليه من ربع وثمن وثلاث أرباع بدلا من أن يستخدموا العلم في التحسين وصون هذه الثروة من الموارد الوراثية، ومن يريد أن يعرف مقدر الهدر الذى حصل في مواردنا الوراثية عليه أن يعود الى سجلات وجداول كتاب الدكتور توفيق رجب. تحياتي وتقديري الى هذا الفلاح العظيم الذي ترك لنا مالم نستطع المحافظة عليه.



بدأت البشرية في إنشاء سلالات مصحوبة بالانتقاء الاصطناعي منذ 250 عامًا في الوقت الحاضر، أصبحت تربية حيوانات المزرعة عالية الإنتاجية، مثل الماشية والخنازير والدواجن، في أيدي الشركات متعددة الجنسيات والتي تستثمر الكثير من الأموال في برامج التربية الحديثة مثل تربية الأغنام والماعز والخيول والحيوانات الأليفة الأخرى وتهدف تربية الحيوان إلى تحسين الحيوانات عن طريق تغيير قدراتها الوراثية لصفات مهمة. وتتحدد هذه السمات أو الصفات حسب متطلبات ورغبات المجتمع التي قد تتغير مع مرور الوقت.



وتتأثر تربية الحيوانات بشكل كبير بالأبحاث والتطورات في علم وراثة العشائر والوراثة الكمية والجزيئية. في بعض الأحيان، يتم ملاحظة آثار سلبية غير متوقعة لتربية الحيوانات تتطلب تصحيحات كافية حيث يبدأ برنامج التربية للسلالة في كل جيل بصياغة هدف التربية وينتهي بمراجعة نقدية للنتائج التي تم الحصول عليها في الجيل التالي قد يؤدي التقييم إلى إعادة النظر في هدف التربية لجولة الانتخاب التالية.


في معظم نظريات تربية الحيوان التي لا نزال نستخدمها حتى اليوم، والتي تم اختراعها في النصف الأول من القرن العشرين حيث أظهر الإحصائي ر. أ. فيشر (1890 - 1962) أن تنوع التعبير عن الصفة يمكن أن يعتمد على مشاركة عدد كبير مما يسمى بالعوامل المندلية (الجينات). وفى هذا الصدد نشر الكثير فيما يتعلق بالإحصاءات وتربية الحيوانات، ولكن ورقته الرئيسية صدرت في عام 1918. وقد نشر فيشر، جنبًا إلى جنب مع سيوال رايت (1889 - 1988) وجي بي إس. هالدين، ويعتبرو من مؤسسي علم وراثة العشائر النظري.



قام توماس هانت مورغان (1866-1945) وزملاؤه بربط نظرية الكروموسومات بالتوريث طبقا لنظريات مندل وخرجوا بنظرية تفيد بأن كروموسومات الخلايا تحمل المادة الوراثية الفعلية. ولهذا فاز مورغان بجائزة نوبل عن ذلك في عام 1933. وفي النصف الأول من القرن العشرين، كانت جامعة ولاية آيوا في أميس، آيوا، الولايات المتحدة الأمريكية هي المكان الذي انطلق منه ذلك، وكانت موطنًا لجاي إل. لوش (1896 - 1982)، المعروف باسم الأب الحديث لتربية الحيوانات حيث دعا إلى أنه بدلاً من الاعتماد على المظهر (الصفات المظهرية) يجب أن تعتمد تربية الحيوانات على مزيج من الإحصاءات الكمية والمعلومات الوراثية. ولقد أثر بشكل كبير كتابه "خطط تربية الحيوانات" الذي نشر عام 1937 على تربية الحيوانات في جميع أنحاء العالم.



استلهم لانوي نيلسون هازل (1911-1992) من كتاب لوش وبدأ العمل معه في أميس أيضا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1941، وقام بتطوير نظرية مؤشر أو دليل الانتخاب في أطروحته تلك، وهي طريقة استخدمت لعقود من الزمن لتحديد الأوزان أو القيم التربوية التي يجب وضعها على الصفات المختلفة قيد الانتخاب وفي عملية تطوير هذه الطريقة، توصل أيضًا إلى مفهوم حول كيفية تقدير الارتباطات الجينية، حيث يعد هذا أمرًا ضروريًا لتعيين الوزن أو ما يطلق عليه القيمة التربوية المناسبة لصفات الانتخاب.


طور هازل أيضًا طريقة إحصائية تستخدم تحليل المربعات، وهى طريقة تنطوي على إيجاد أفضل مطابقة لمجموعة من النقاط الإحصائية، من خلال تقليل مجموع النقاط المتبقية من المنحنى إلى حدها الأدنى، إذ تجسد كل نقطة من البيانات عرضاً توضيحياً للعلاقة بين المتغيرات المستقلة المعلومة والأخرى المناقضة لها قيد الدراسة، وتستخدم في مجال تربية الحيوان للبيانات الأكثر تعقيدًا مع أعداد غير متساوية من الفئات الفرعية حتى ذلك الحين، تم استخدام التقنيات الإحصائية التي طورتها شركة Hazel لتحسين قيم الأداء لمختلف الصفات في الحيوانات لاختيار تلك التي تتمتع بالتركيبة الأمثل تم بعدها تطوير القيمة التربوية المقدرة (ebv) لاحقًا من قبل الإحصائي سي آر هندرسون (1911 - 1989)، الذي كان طالبًا في هيزل في أميس.

أتاحت القيم التربوية المقدرة تصنيف الحيوانات وفقًا لإمكاناتها الوراثية المقدرة (ebv)، مما أدى إلى نتائج اختيار أكثر دقة وبالتالي تحسن وراثي أسرع عبر الأجيال.



بعدها قام هندرسون بتحسين دقة قيمة التربية (التكاثر) المقدرة من خلال استخلاص أفضل تنبؤ خطي غير متحيز (BLUP) للقيم التربوية لحيوانات المزرعة ebv وذلك في عام 1950، ولكن تم استخدام المصطلح فقط منذ عام 1960واقترح أيضًا دمج النسب الكامل للعشيرة ليشمل العلاقات الوراثية بين الأفراد. وبهذه الطريقة يمكن تضمين أداء الأقارب في تقدير القيمة التربوية للفرد وبالتالي ولد ما يسمى بالنموذج الحيواني. ولسوء الحظ، في تلك الأيام، كانت قوة الكمبيوتر محدودة للغاية بحيث لم يتمكن أيضًا من حساب قيم التربية باستخدام النموذج الحيواني. ومن ثم كان لزاماً على التنفيذ العملي أن ينتظر حتى أواخر الثمانينات. تعتبر العقول العظيمة الحالية التي طورت طريقة دمج معلومات الحمض النووي واسعة النطاق التي أصبحت متاحة في نظرية النموذج الحيواني (BLUP) لتقدير ما يسمى بقيم التكاثر الجينومي لكل من ثيو مويسن (النرويج) ومايك جودارد، (أستراليا).


ا.د. فوزي محمد أبودنيا
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية
icon

الأكثر قراءة