غالباً ما تشكل زيادة وتنويع تناول الغذاء تحدياً بالنسبة لصغار المزارعين في المناطق الفقيرة، حيث يؤدي تقلص الحيازات وقلة الدخول وكذا ارتفاع أسعار الأعلاف لتربية الماشية في ظل غياب تمام لدور الإرشاد للاستفادة من المتبقيات الزراعية لإنتاج الأعلاف غير التقليدية للماشية والدواجن.
وفى ظل هذا التحديات ترتفع معدلات نقص المغذيات الدقيقة والتقزم في أفراد السكان الريفيين وللحقيقة فان هذا الأمر يسرى في العديد من البلدان المنخفضة الدخل. ففي أحد التجارب التي أجريت في دولة بنجلاديش، شملت 150 أسرة صغيرة تعمل في تربية البط، بما في ذلك 50 أسرة كمجموعة كنترول، و50 أسرة في مجموعة أخرى تطبيق التدخلات التي تركز على تحسين صحة البط وتغذية البط على مستوى القرية. وبمتابعة تأثير التدخلات لتقييم أثارها على وفيات البط والمبيعات والاستهلاك، وعلى التنوع الغذائي لأفراد الأسرة.
أظهرت النتائج بان تحسين تربية البط قد أدى إلى زيادة استهلاك ومبيعات البط, وكانت الأسر التي تبيع المزيد من البط أكثر ميلاً إلى شراء منتجات الألبان واستهلاكها، مما يساهم في تحسين التنوع الغذائي لتلك الأسر. كما أشارت النتائج المتحصل عليها إلى أن تحسين تربية البط يمكن أن يوفر بديلاً مناسبًا ومستدامًا للحفاظ على التنوع الغذائي للأسر وتحسينه في المناطق المعرضة للمخاطر والفقر.
في عام 2015، اقترحت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق مستقبل أفضل ومستدام للجميع. وهذه الأهداف مترابطة، وتتطلب استراتيجيات تسير جنبا إلى جنب للحد من الفقر وعدم المساواة والمناخ والتدهور البيئي وضمان الرخاء والسلام والعدالة.
وتشير التوصيات المنبثقة من أهداف التنمية المستدامة الى انه من الممكن أن يقدم قطاع الأغذية والزراعة والثروة الحيوانية حلولاً أساسية للتنمية المستدامة، لأنه يشكل أهمية مركزية في القضاء على الجوع والفقر في البلدان النامية. يعد سوء التغذية في بعض البلدان مرتفع نسبيا، وتعتبر بنجلاديش من بين أعلى المعدلات في العالم حيث يعاني 36% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم عند سن الرابعة، ويعاني ما يقرب من نصف عدد الأطفال دون سن الخامسة من فقر الدم, عادة ما يشمل سوء التغذية هذا مزيجًا من عدم كفاية تناول الطاقة والمغذيات الدقيقة والبروتين.
أظهرت الدراسات التي أجريت في إطار المعاناة من سوء التغذية أن الأطعمة التكميلية النباتية في حد ذاتها غير كافية لتلبية احتياجات بعض المغذيات الدقيقة. تعتبر الأطعمة ذات المصدر الحيواني (animal-source foods, ASF) مصدرًا ممتازًا كثيف الطاقة للبروتين عالي الجودة وسهل الهضم لاحتوائه على مجموعة من المغذيات الدقيقة، ويمكن أن تساهم بشكل كبير في التغلب على أوجه القصور في كمية ونوعية النظام الغذائي لدى الأطفال. ففي الدراسات التي أجريت على الأطفال الكمبوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 12-59 شهرًا وكذا الأطفال الإندونيسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 0-59 شهرًا أظهرت النتائج المتحصل عليها أن تناول نظام غذائي متنوع مع ASF كان مرتبطًا بشكل كبير بانخفاض التقزم.
نظرا لان تربية الدواجن تحظى بشعبية كبيرة بين الأسر الريفية في البلدان النامية بسبب سهولة إدارتها وذبحها وقلة متطلبات المدخلات فان الأطعمة ذات المصدر الحيواني يمكن أن توفر لحوم الدواجن والبيض على وجه الخصوص المزيد من الفيتامينات والمعادن والبروتينات والدهون المتوفرة بيولوجيًا مقارنة بالأطعمة النباتية.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن بيع الدواجن بسرعة عندما تكون هناك حاجة إلى المال، على سبيل المثال، لشراء مواد غذائية أخرى، وبما أن النساء عمومًا يمتلكن دواجن القرية ويقومن بتربيتها، فإن مبيعاتها تشكل مصدرًا مهما للدخل والتمكين. وفي مراجعة للدراسات التي اهتمت بتدخلات الإنتاج الحيواني في التأثير على سوء التغذية من عدمه، فان هذه الدراسات قد سلطت الضوء على وجود أدلة علمية لإثبات أنه يمكن تحسين الحالة التغذوية للبشر من خلال التدخلات التي تعزز الإنتاج الحيواني مثل الاهتمام بالتغذية والتحصينات ونشر السلالات المحسنة خاصة المحلية والتي تتحمل الظروف المناخية وطبيعة الأعلاف المتوفرة بالمنطقة.
ومع إن الأبحاث التي تستكشف تأثير التدخلات القائمة على الإنتاج الحيواني على تغذية الإنسان كانت في الأساس قائمة على الملاحظة، إلا أن الأدلة التي ظهرت في النتائج المتحصل عليها قد أوضحت وجود صلة مباشرة بين تحسين الإنتاج الحيواني وصحة الإنسان وتغذيته. فعلى سبيل المثال، أشارت البيانات التي تم جمعها في استبيان استقصائي في تنزانيا إلى أن تربية الدجاج على مستوى القطاع الريفي كانت تتحسن بتحسين التدخلات الخاصة بتحسين إنتاجية وصحة الطيور المرباه.
من اجل ذلك فإننا يجب أن نتنبه بشدة الى أهمية تنمية القطاع الدجنى في الريف بشكل أكثر اهتماما بتحسين التدخلات نظرا للدور المركب الذي تلعبه تربية الدواجن أو الأرانب في حياة الأسرة المصرية الريفية من تمكين المرأة لضمان تحسين صحة الأسرة بخاصة الأطفال وتوفير الإنفاق الخاص بشراء الأطعمة ذات الأصل الحيواني، كما أنها يمكن أن تمثل دخل للأسر الفقيرة.
في هذا السياق يمكن القول إن زيادة إنتاجية القطاع الريفي من الدواجن يجب أن تبدأ بتطوير كلا من نظم إنتاج الدواجن حيث أنها بحاجة شديدة لإعادة النظر والتطوير لإمكانية تحويل صغار المربيين من الإنتاج العشوائي الى الإنتاج المنظم الموجه للسوق ووفقا للمعاير الصحية والمواصفات القياسية.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال توفير الحس التجاري لدى مربى الدواجن في الريف خاصة "المرأة الريفية" والإدراك بأهمية اختيار سلالات الدواجن المرباه ونوعية العليقة المقدمة فضلا عن تحضين الدواجن خاصة في أخطر المراحل العمرية في تربية الدواجن. ونود أن نركز هنا على التربية المنزلية الريفية للدواجن تعتمد غالبا ً على إمكانيات بسيطة وقليل من المدخلات التكنولوجية (مثل: الفقاسة – آلة جرش الحبوب) وهذه المدخلات غالباً ما تتوفر بشكل مجتمعي، إذ يكفي وجودها لدى إحدى الأسر كي تقدم خدماتها لباقي أسر القرية نظير مقابل مناسب. وفى هذا الصدد يجب أن نشير لأهمية الاستفادة من استخدام بقايا الطعام المنزلية والتي يمكن أن تمثل تقريباً 30% من تغذية الدواجن، والتي توفر من تكاليف التغذية وتنتج مخرجات مرتفعة القيمة الغذائية في صورة بيض ولحم.
الأستاذ الدكتور/ فوزي محمد أبو دنيا
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية