لمناقشة الأبعاد الفنية والإدارية لإدارة استخدام المياه الاستهلاكية، يجب تقديم تحليل متعمق لإدارة المياه القائمة على الاستهلاك Consumption-Based Water Management (CBWM)، وتقييم إمكانية تطبيقه في المناطق التي تعاني من الإفراط في استخراج المياه، خاصة المياه الجوفية، بمصر.

في ضوء السياق والتحديات تواجه مصر تحديات متزايدة في إدارة موارد المياه، نتيجة للنمو السكاني السريع، والتنمية الاقتصادية، وتغير الأنماط الغذائية، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه التحديات، من خلال التأثير على توافر الموارد المائية وتوزيعها.


لذا كان من الضروري أن نوجه الانتباه الى إدارة المياه القائمة على الاستهلاك حيث تمثل إدارة المياه القائمة على الاستهلاك نهجاً متكاملاً لإدارة موارد المياه، يركز على إدارة الاستخدام الفعلي للمياه في الزراعة، مع الأخذ في الاعتبار أن أنماط تدفق المياه معقدة ومتغيرة.

يعتمد هذا النهج على حساب الاستخدام الاستهلاكي بدلاً من توصيل المياه، مما يسمح بتقييم كمية المياه التي تساهم في إمداد المستخدمين الآخرين والحفاظ على التدفقات البيئية.

المفاهيم الأساسية لإدارة المياه القائمة على الاستهلاك

هناك مفهومين مهمين في إدارة المياه القائمة على الاستهلاك هما:

• التمييز بين الاستهلاك المفيد وغير المفيد: يتمثل الاستهلاك المفيد في النتح، وهو عملية تبخر المياه من النباتات، بينما يتمثل الاستهلاك غير المفيد في التبخر من التربة والمسطحات المائية.

• إدارة التدفقات المرتجعة: يجب الأخذ في الاعتبار أن التدفقات المرتجعة قد لا تكون متاحة للاستخدام في اتجاه مجرى النهر، أو قد تفقد قيمتها الاقتصادية.

التحديات الفنية والإدارية الخاصة بالمياه القائمة على الاستهلاك

من المهم مراعاة العمل على تقليص وإزالة التحديات التي تواجه إدارة المياه القائمة على الاستهلاك والتي تتمثل في الاتي:

• تطوير حسابات المياه: يتطلب تطبيق إدارة المياه القائمة على الاستهلاك تطوير حسابات دقيقة للمياه، تأخذ في الاعتبار جميع مصادر المياه واستخداماتها.
• تخصيص حقوق المياه: يجب وضع آليات عادلة وشفافة لتخصيص حقوق المياه بين مختلف المستخدمين.
• الترتيبات المؤسسية: يتطلب تطبيق هذا النهج وجود ترتيبات مؤسسية قوية، تضمن التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية.
• تقنيات الاستشعار عن بعد والنمذجة الهيدرولوجية: تعتبر هذه التقنيات ضرورية لتقدير الاستهلاك الفعلي للمياه ومراقبة التدفقات المائية.
• تحديات قانونية وسياسية: حيث أن تطبيق هذا النظام يحتاج الي قوانين وتشريعات تدعمه، بالإضافة الي إرادة سياسية من الحكومات.

الاستفادة من التجارب الدولية في هذا النهج ولاسترشاد بها

تعتبر الصين رائدة في تطبيق إدارة المياه القائمة على الاستهلاك، حيث تم تطبيق هذا النهج في حوض نهر هاي ومحافظة توربان في شينجيانغ.

وقد ساهمت هذه التجربة في تحسين إدارة موارد المياه وتقليل الإفراط في استخراج المياه الجوفية. لذا فانه من المهم العمل على تحقيق التوصيات التالية لتحقيق إدارة ناجحة خاصة بالمياه القائمة على الاستهلاك.
• تعزيز التعاون الدولي خاصة مع الصين في هذا الشأن: أرى انه من الواجب تعزيز التعاون بين دول ذات خبرة في هذا الشأن وعلى راسها الصين وغيرها من الدول الاسيوية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في إدارة المياه القائمة على الاستهلاك.

• الاستثمار في التقنيات: من المهم دعم وتحفيز الاستثمار في تطوير وتطبيق تقنيات الاستشعار عن بعد والنمذجة الهيدرولوجية.
• بناء القدرات: من الواجب العمل على بناء قدرات الكوادر الفنية والإدارية في مجال إدارة المياه القائمة على الاستهلاك.

• وضع السياسات والتشريعات: في ضوء أهمية هذا الموضوع فانه يجب وبالضرورة وضع السياسات والتشريعات اللازمة لتطبيق هذا النهج.

وفى النهاية تمثل إدارة المياه القائمة على الاستهلاك نهجاً واعداً لمواجهة تحديات ندرة المياه في مصر، ولكن تطبيقها يتطلب جهوداً متضافرة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.


ا. د. فوزي محمد أبودنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني