الثلاثاء، 10 شوال 1446 ، 08 أبريل 2025

د. عاطف الصغير يكتب.. المشروعات الزراعية المستدامة نحو تحقيق التمكين الاقتصادي والتنمية الريفية

ارض النخيل النخل نخيل
زراعة النخيل
أ أ
techno seeds
techno seeds
في إطار الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة، تأتي المشروعات الزراعية المستدامة كأحد الركائز الأساسية لتعزيز الاقتصاد وتمكين المجتمعات الريفية، وخاصة في صعيد مصر الذي يُعد من أكثر المناطق التي تحتاج إلى تدخلات تنموية. تُعد هذه المشروعات جزءًا لا يتجزأ من رؤية الجمهورية الجديدة، التي تسعى إلى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لجميع المواطنين. تحت قيادة القيادة السياسية الحكيمة، تم وضع خطط استراتيجية تعكس التزام مصر بتحقيق الاستدامة في جميع القطاعات، بما في ذلك الزراعة، التي تُعتبر عماد الاقتصاد المصري.


تشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن القطاع الزراعي في مصر يسهم بنحو 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به حوالي 25% من إجمالي القوى العاملة في البلاد. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه هذا القطاع كبيرة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر على موارد المياه والأراضي الزراعية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قد تفقد مصر ما يصل إلى 15% من أراضيها الزراعية الأكثر خصوبة بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الاستدامة.

في هذا الإطار، تسهم المشروعات الزراعية المستدامة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، والتي تتبناها مصر ضمن إطار رؤية مصر 2030. هذه الرؤية الطموحة تركز على تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. ومن خلال تبني أساليب زراعية حديثة تعتمد على التقنيات المتطورة والإدارة الفعّالة للموارد، تسعى مصر إلى زيادة الإنتاجية الزراعية مع تقليل الآثار السلبية على البيئة.

في صعيد مصر، تم تنفيذ عدة مشاريع زراعية مستدامة نجحت في تحقيق نتائج ملموسة. على سبيل المثال، مشروع "تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة" الذي تم تنفيذه في محافظات أسيوط وسوهاج وقنا، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، ساهم في زيادة كفاءة الري بنسبة 20%، مما أدى إلى تحسين إنتاجية المحاصيل وتقليل الفاقد من المياه. وفقًا لتقارير وزارة الزراعة، أدى هذا المشروع إلى زيادة دخل المزارعين بنسبة تصل إلى 25% في المناطق المستهدفة.

مشروع آخر بارز هو مبادرة "الزراعة الذكية مناخيًّا" التي تم تطبيقها في محافظة الاقصر. تم تدريب أكثر من 5 آلاف مزارع على تقنيات الزراعة المستدامة، مثل استخدام الأسمدة العضوية، المكافحة المتكاملة للآفات اهم مبيدات الآفات الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى تطبيق نظم الري الحديثة. وقد أدى ذلك إلى زيادة دخل المزارعين بنسبة تصل إلى 30%، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة. كما ساهم المشروع في تقليل استهلاك المياه بنسبة 15%، مما يعكس نجاحًا كبيرًا في تعزيز الاستدامة في هذه المنطقة.


في محافظة أسوان، تم تنفيذ مشروع "تطوير زراعة النخيل" الذي يهدف إلى تعزيز إنتاج التمور ذات الجودة العالية. تم تدريب المزارعين على تقنيات التلقيح الحديثة وإدارة مياه الري بشكل أكثر كفاءة. ونتيجة لذلك، ارتفع إنتاج التمور بنسبة 25%، مما ساهم في زيادة الصادرات الزراعية من هذه المحافظة. وفقًا لإحصائيات وزارة التجارة والصناعة، وصلت صادرات التمور المصرية إلى أكثر من 1.5 مليار جنيه مصري في عام 2022، مع توقعات بزيادة هذه النسبة في السنوات القادمة.

أيضًا، في إطار مشروع "تنمية المجتمعات الريفية" الذي تنفذه وزارة التنمية المحلية، تم إنشاء تعاونيات زراعية في عدة قرى بمحافظة المنيا. هذه التعاونيات ساعدت المزارعين على تجميع مواردهم وتحسين قدرتهم على التسويق، مما أدى إلى زيادة دخلهم بنسبة 40% في بعض الحالات. وفقًا لتقارير البنك الدولي، فإن مثل هذه المشاريع يمكن أن تسهم في خفض معدلات الفقر في المناطق الريفية بنسبة تصل إلى 20% خلال خمس سنوات.

رغم النجاحات التي حققتها هذه المشاريع، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. تشير الإحصائيات إلى أن صعيد مصر يعاني من ارتفاع معدلات الفقر، حيث تصل نسبة الفقر في بعض المحافظات إلى 60%. بالإضافة إلى ذلك، فإن ندرة المياه تمثل تحديًا كبيرًا، حيث تقل حصة الفرد من المياه العذبة عن 560 مترًا مكعبًا سنويًّا، وهو ما يقل بكثير عن خط الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنويًّا. ومع ذلك، فإن المشروعات الزراعية المستدامة تسهم في التغلب على هذه التحديات من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والري الذكي، والتي تقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالأساليب التقليدية.


على المستوى الدولي، تُظهر الإحصائيات أن الزراعة المستدامة يمكن أن تسهم في توفير الغذاء لنحو 9 مليارات شخص بحلول عام 2050، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية. في مصر، تمثل المشروعات الزراعية المستدامة فرصة ذهبية لتحقيق الأمن الغذائي، حيث تعاني البلاد من فجوة غذائية تقدر بنحو 50% في بعض السلع الأساسية مثل القمح والزيوت. وفقًا لتقارير منظمة الفاو، يمكن أن تسهم الزراعة المستدامة في زيادة الإنتاج الغذائي العالمي بنسبة 70% بحلول عام 2050، مما يعكس أهميتها في مواجهة التحديات الغذائية العالمية.

في الختام، تُعد المشروعات الزراعية المستدامة نموذجًا حيويًّا لتحقيق التنمية الشاملة في الجمهورية الجديدة. من خلال هذه المشروعات، يمكن لمصر أن تواجه التحديات البيئية والاقتصادية، وتعزز من قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية، وتضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا للأجيال القادمة. إنها خطوة أساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة التي تصبو إليها الدولة المصرية، في إطار رؤية شاملة تضع الإنسان والبيئة في قلب أولوياتها.
د. عاطف الصغير, استاذ مساعد بكلية الزراعة 


اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة