الخميس، 30 رجب 1446 ، 30 يناير 2025

دكتور فوزي أبودنيا يكتب ..التغير الديموجرافى وعلاقته بالجوانب التنموية في الريف المصري

فوزي ابو دنيا
الدكتور فوزي أبودنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني
أ أ
techno seeds
techno seeds
يدفع انخفاض معدلات الخصوبة الاقتصادات الكبرى نحو الانهيار السكاني في هذا القرن. حيث يعيش ثلثا البشر في بلدان حيث معدل الخصوبة أقل من معدل الإحلال الذي يبلغ 2.1 طفل لكل أسرة. وبحلول عام 2100، سوف ينخفض عدد السكان في بعض الاقتصادات الكبرى بنسبة تتراوح بين 20 و50%، استناداً إلى توقعات الأمم المتحدة.

تنعكس الهياكل العمرية من شكل الأهرامات الى شكل المسلات مع نمو عدد كبار السن وتقلص عدد الشباب. وسوف تضرب الموجة الأولى من هذا التحول الديموجرافى الاقتصادات المتقدمة مثل الصين حيث من المتوقع أن تنخفض حصة الناس في سن العمل الى 59% في عام 2050 من 67% اليوم. كذلك فان الموجات اللاحقة سوف تبتلع المناطق الأصغر سنا في غضون جيل أو جيلين. بيد أن تعتبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي الاستثناء الوحيد.

إن المستهلكين والعمال سوف يصبحون أكبر سنا وبشكل متزايد في العالم النامي. بالإضافة الى إن كبار السن سوف يشكلون ربع الاستهلاك العالمي بحلول عام 2050 وهو ضعف حصتهم في عام 1997. ومن المتوقع أن البلدان النامية سوف توفر حصة متزايدة من العرض العالمي للعمالة والاستهلاك مما يجعل إنتاجيتها وازدهارها أمرا حيويا للنمو العالمي.

إن الحسابات الاقتصادية الحالية لا تستطيع دعم معايير الدخل والتقاعد الحالية ــ ولابد أن يكون هناك تغير لشيء ما. ففي بلدان الموجة الأولى في مختلف الاقتصادات المتقدمة والصين، قد يتباطأ نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% سنويا في المتوسط من عام 2023 إلى عام 2050، وما يصل إلى 0.8% في بعض البلدان، ما لم يزد نمو الإنتاجية بمقدار ضعفين إلى أربعة أمثال أو يعمل الناس من ساعة إلى خمس ساعات إضافية في الأسبوع. وقد تحتاج أنظمة التقاعد إلى توجيه ما يصل إلى 50% من دخل العمالة لتمويل زيادة بمقدار 1.5 مرة في الفجوة بين الاستهلاك الكلي ودخل كبار السن. وعلى بلدان الموجة اللاحقة أن تنتبه إلى هذا.

في مواجهة عواقب التغير الديموجرافى، تدخل المجتمعات في مياه مجهولة، وفي غياب العمل، سيرث الشباب نمواً اقتصادياً أقل ويتحملون تكلفة المزيد من المتقاعدين، في حين يتآكل تدفق الثروة التقليدي بين الأجيال. ولابد أن تتغير ممارسات العمل الراسخة والعقد الاجتماعي. والأمر الأكثر جوهرية هو أن البلدان سوف تحتاج إلى رفع معدلات الخصوبة لتجنب انخفاض عدد السكان ــ وهو تحول مجتمعي غير مسبوق في التاريخ الحديث.

إن الأسر في مختلف أنحاء العالم تنجب عدداً أقل وأقل من الأطفال. وفي كثير من أنحاء العالم، انخفضت معدلات الخصوبة إلى ما دون معدل الإحلال المطلوب للحفاظ على استقرار السكان، وعلى الرغم من زيادة طول العمر، بدأت بعض البلدان بالفعل تشهد انخفاضاً في عدد السكان. وقد تتبع بلدان أخرى هذا المسار في المستقبل غير البعيد.

يحول انخفاض معدلات الخصوبة التوازن الديموجرافى نحو ندرة الشباب والمزيد من كبار السن، الذين يعتمدون على تقلص عدد السكان في سن العمل. ويعمل طول الأعمار على تسريع هذا التحول.  لقد بدأت هذه الظاهرة تتجلى في مختلف الاقتصادات المتقدمة مثل الصين، حيث يتجاوز عدد الوفيات السنوية في ثلاثة أخماس البلدان بالفعل عدد المواليد. وتتمتع الاقتصادات الناشئة بفرص أكبر، ولكنها تواجه الحاجة إلى الثراء قبل أن يبدأ التحول الديموجرافى.

للحقيقة فان تطور الأنظمة الاقتصادية والعقود الاجتماعية بحاجة مدى عقود من النمو السكاني، وخاصة السكان في سن العمل الذين يقودون النمو الاقتصادي ويدعمون الناس الذين يعيشون حياة أطول. لم يعد هذا الحساب صالحًا.

إن الجمع بين الإنتاجية الأعلى، وزيادة العمل لكل شخص، والهجرة الفعالة، ومعدلات الخصوبة الأعلى من شأنه أن يضمن الرخاء العالمي للمستقبل. ومع ذلك، لن تكون أي من هذه الروافع وحدها كافية، وكل منها يفرض تحديات. إن تغيير مسار التحول الديموجرافى يتطلب من المجتمع إعادة النظر في الأنظمة القائمة للعمل والتقاعد بطرق قد تجبرنا على تغيير عقدنا الاجتماعي - وهو ليس بالأمر السهل.

ما دفعنا لهذا الاهتمام وتقديم هذا المقال ما يحدث في الريف المصري حيث يتزايد عدد السكان بالشكل الذي معه يبتلع الإنتاجية من المنتجات الزراعية والحيوانية مما يدفعنا الى مزيد من الاستيراد واستنزاف العملات وانقلاب طبقية المجتمع من الشكل الهرمي الى شكل المسلات. وهنا فإننا في هذا المقال نحذر وقبل فوات الأوان الى وجوب إعادة النظر في الكثافة السكانية في الريف المصري وما يعقبها من تغيرات ديموجرافية تؤثر على المجتمع المصري ككل. وما يهمنا أن تكون التحولات إيجابية بشكل تظل فيها مصر محافظة على مكانتها وقيمتها وقوتها، فقوة مصر ومكانتها في مجتمعها وسكانها أي في الإنسان المصري.

ا. د. فوزي أبودنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني
اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة