الجمعة، 21 رمضان 1446 ، 21 مارس 2025

دكتور بدوى رجب مهدلى يكتب .. كيف تدافع النباتات عن نفسها ضد المسببات المرضية

بدوى رجب مهدلى
دكتور بدوى رجب مهدلى رئيس قسم بحوث أمراض الشعير
أ أ
techno seeds
techno seeds
تشكل الأمراض النباتية التي تسببها الكائنات الدقيقة والآفات تهديداً دائماً للأمن الغذائي العالمي, ان خسائر المحاصيل المباشرة، والتدابير المستخدمة لتقليل هذة الخسائز و السيطرة على الأمراض (مثل أستخدام مبيدات الآفات) ، لها تأثيرات أقتصادية وزراعية كبيرة، إن قدرة النباتات على مقاومة الإصابة بمسببات الأمراض والآفات الميكروبية أمر ضروري للبقاء على قيد الحياة, لذلك من الضروري أن نفهم الآليات الجزيئية لنظام المناعة الطبيعي في النبات ، وهو نظام يسمح للنباتات بمقاومة هجوم الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض.

حتى يستطيع النبات مكافحة الإصابة من تلقاء نفسه، دون الحاجة لأستخدام الطرق التقليدية للمكافحة, وعلى غرار الطريقة التي يتم بها تطوير اللقاحات لعلاج الأمراض البشرية, حيث يعمل اللقاح من خلال العمل كمنتحل للمرض, إنه يخدع جهاز المناعة ليعتقد أنه يتعرض للهجوم، مما يحفز ردود الدفاع، مثل إنتاج الأجسام المضادة, وهذا يخلق ذاكرة دفاعية، مما يسمح لنظام المناعة بتذكر مسبِّب مرضى معين إذا واجهه الجسم في المستقبل, تستطيع المناعة أن تستجيب بسرعة وبقوة، وذلك بفضل ذاكرتها المميزة من اللقاح,

أو مثل تطعيم الأطفال للحماية من الأمراض المستقبلية، يستخدم علماء الأمراض النباتية نفس المنهجية في "تحصين" النباتات ضد مسببات الأمراض، بمجرد تحديد نمط الكائن الممرض، نعمل على عزله وتنقيته, هذه الخطوة هي مثل تصنيع اللقاح, ويمكننا بعد ذلك تلقيح النبات بالنمط المصنع ( سلالة من المسبب المرضى ذات قدرة مرضية ضعيفة تأثير يشبة المرض الحقيقى او سلالة ميته ) عن طريق العدوى الصناعية بحقنه في الجذع أو الأوراق والهدف هو تحفيز أستجابة الأليات الدفاعية الطبيعية للنباتات ضد الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض، مما يؤدي إلى إستجابة دفاعية أسرع أو أقوى في الحالة التي يواجه فيها النبات تلك المسببات المرضية, قد تكون هذه الطريقة آمنة وفعالة في ترسيخ أليات المقاومة وذلك يساهم فى إنقاذ الفاقد الناتج عن أمراض النبات فى سلة الغذاء العالمى
بذلك نحن نضمن بشكل أساسي أن تكون النباتات جاهزة للمعركة قبل هجمات العدو  عن طريق تحفيز المقاومة للإصابة، والتي غالبا ما تتميز بأقل الأعراض وتقليل أعداد الكائن الممرض داخل النبات.

هنا، نقدم خارطة طريق للأليات الدفاعية فى النبات، مع التركيز على سطح الخلية والمستقبلات الأستشعارية داخل الخلايا. نصف كيف تدرك هذه المستقبلات بصمات مسببات الأمراض والآفات وتبدأ مسارات الدفاع فى العمل. نقوم بدمج المفاهيم العلمية مع الرؤى الجديدة المكتسبة من البحث في بنية و وظيفة المستقبلات الدفاعية النباتية ، والتي أحدثت تحولًا في فهمنا لقدرة النبات على بدء دفاعاتة من سطح الخلية النباتية وداخل الخلايا والتفاعل والتنسيق بين الاثنين

يظهر الجهاز الدفاعى للنبات بعض التشابهات في آلية العمل مع الجهاز المناعي للحشرات والثدييات، ولكن أيضًا مع وجود العديد من الخصائص التى تخص النباتات.

 عند أستشعار النبات وجود العامل الممرض يتم تفعيل إشارات للدفاع فى النبات من خلال المستقبلات التي تكشف وجود العامل الممرض، تقوم هذه المستقبلات بتحفيذ إنتاج أكسيد النيتريك والأكسجين وحدوث تغييرات في تركيزات الكالسيوم والبوتاسيوم في السيتوبلازم, والبروتينات والمستويات المتغيرة من حمض السالسيليك والتى تقوم بعوامل تنشيط الحث الداخلى, حيث تنشط عوامل المقاومة فى النبات والتى تتمثل فى اطلاق منبهات ضد الإصابة بالمسببات المرضية, حيث وجد ان شظايا عبارة عن أوليجوسكارين تنطلق من جدر الخلايا النباتية عند حدوث الأصابة, ذلك بسبب الأنزيمات التى ينتجها الطفيل,  التى تقوم بتحفيذ المقاومة عن طريق تعديل في البروتينات الناتجة عن تفعيل التعبير الجيني المرتبط بمقاومة المسبب المرضى 

حيث تحمل أليات الدفاع فى النبات نوعين متصلين من المستقبلات (خارجية - داخلية)، الأولى تستشعر الجزيئات خارج الخلية والثانية تستشعر الجزيئات داخل الخلية، كلا الجهازين يستشعر وجود الأجسام الغريبة ويستجيب عبر تفعيل الدفاعات المضادة للعوامل التفاعلية في الخلية المصابة والخلايا المجاورة لها، وفي بعض الحالات تنتشر إشارات الحث على تفعيل الدفاعات إلى بقية خلايا النبات كلا النوعين من ( المستقبلات) يكتشف أنواعًا مختلفة من الجزيئات التفاعلية.


  المستقبلات المناعية لسطح الخلايا:

- تكتشف المستقبلات المناعية لسطح الخلية التوقيعات الشائعة لمسببات الأمراض أو الآفات خارج الخلية المصابة, أن مجموعات من مستقبلات سطح الخلية المنشطة قد تتجمع في مواقع منفصلة على الأغشية ، وتشكل مجالات متناهية الصغر أو نانو منفصلة, وتستخدام هذه المجالات النانومترية الدقيقة لانتاج مركبات وحدات إشارات فوق جزيئية عالية المستوى في غشاء البلازما حيث تظهر الأغشية البيولوجية خصائص وظيفية مختلفة على نطاق أعلى لأنها سائلة  ويعتمد هذا التنظيم النانومترى للغشاء على تفاعلات دقيقة وموضعية متعددة التكافؤ بين الدهون والبروتينات ( الفوسفوليبيدات ), وهذه الخصائص ضرورية لتنظيم ودمج الإشارات الخلوية,
علاوة على ذلك ، يجب أن نسعى لفهم محددات خصوصية مستقبلات سطح الخلية النباتية لـ"المستحثات"، حيث سيوفر ذلك نظرة ثاقبة حول كيفية تمييز النباتات لـ "المستحثات" الخاصة  بالميكروبات المسببة للأمراض عن تلك الموجودة في الميكروبات المتبادلة المنفعة المفيدة للنبات. ولكن هناك مجموعات مختلفة من المستقبلات داخل الخلايا ستؤدي إلى خصوصية أخرى في إدراك الإشارة.

  المستقبلات المناعية داخل الخلايا:

- تتعرف المستقبلات الدفاعية داخل الخلايا على مستحثات مسببات الأمراض أو الآفات والتى عادةً ما تكون هذه التواقيع عبارة عن بروتينات منقولة تُعرف باسم "المستجيبات"، والتي يتم نفازها داخل خلايا النبات لتعديل فسيولوجيا الخلايا لمساعدة الكائنات الدقيقة على الغزو والاستعمار والتكاثر داخل النبات, عندها يحدث بشكل مباشر تغيرات خلوية, حيث تنطلق أشارات تحتوى على حمض الجالاكيتورونيك تعمل على تنشيط اليات مقاومة موضعية تتمثل فى تراكم انواع من الفيتوأليكسينات أو حدوث تغيرات في جدار الخلية أو إنتاج المواد المضادة للعوامل الممرضة, أو تفعيل تغيرات في التعبير الوراثى, والتي تنشط بعدها استجابات دفاعية أخرى, إن الفهم التفصيلي لأليات الدفاع النباتية سيعزز تحسين المحاصيل لإنتاج الغذاء.

- وعلاوه على ذلك  فهناك دفاعات تحدث فى خلايا النبات قد تكون موجودة قبل حدوث الإصابة ودفاعات أخرى تحدث أستجابة للإصابة.


أولأ الوسائل الدفاعية الموجودة قبل حدوث الإصابة: Pre- existing defense mechanism 


- الدفاعات التركيبيةStructural defense mechanisms
- الكيوتيكل Cuticle يتكون الكيوتيكل من الشموع والكيتين وهو خط الدفاع الأول ضد الهجوم الطفيلى كذلك وجود الخلايا الأسكلرنشيمية الصلبة السميكة تعيق تقدم وأنتشار المرض 

- تركيب الجدر الخلوية لخلايا البشرة Structure of epidermal cell walls
أن ترسيب السيليللوز واللجنين فى الجدر الخلوية يعيق أختراق الطفيل للنبات

-تركيب وعدد الفتحات الطبيعية  Structures and number of natural openings 
الشكل والتركيب الداخلى للثغور والعديسات و توقيت فتح وغلق الثغور يعيق دخول المسببات المرضية

-الدفاع الكيماوى الحيوى قبل حدوث الإصابة  Pre-existing biochemical defense
-المواد المضادة للطفيليات التى يطلقها النبات فى بيئته  Antifungal and antimicrobal compounds released by the plant in its environment                     
 
-المثبطات أو المواد المضادة للميكروبات الموجودة فى خلايا النبات: Inhibitors or antimicrobial compounds present in the plant cell                           

يقوم النبات بأنتاج العديد من المواد الكيماوية داخل انسجتة مثل الجليكوسيدات والمركبات المحتوية على الفوسفور والفينولات والصابونين, عندما يخترق الطفيل النبات فأنة يواجة بهذة المواد السامة التى تمنع انتشارة. الى جانب نقص المواد الأساسية الازمة لنمو الطفيل.

ثانيا:الوسائل الدفاعية التى تحدث استجابة للإصابة:  Post infection mechanical defense

-الدفاعات التركيبية Post infection structures defense                        : 
هذا النوع من الدفاع يعمل على الحد من أنتشار المسبب المرضى فى أنسجة النبات عن طريق تكوين حواجز من مواد كيماوية مثل تكوين التيلوزات فى الأنسجة الوعائية والمواد الصمغية التى تتكون على حواف الأنسجة المصابة تمنع تقدم الطفيل داخل النبات وتكوين طبقات فللينية فاصلة فى السيقان والجذور والثمار, وأيضاً تكوين اللجنين فى الجدر الخلوية مما يعيق الأختراق الميكانيكى للطفيل والمواد السامة التى يفرزها الطفيل  

-الدفاعات الكيماوية الحيوية:   Post infection biochemical defense
-انتاج المواد السامة استجابة لحدوث الإصابة:
Toxic materials produced in response to infection


ان تكوين النبات للمواد السامة التى تثبط نمو الطفيل هو من اهم التفاعلات التى يقوم بها النبات بعد حدوث العدوى, ونتيجة هذا التفاعل تتكون مواد مضادة للمسبب المرضى مثل المواد الفينوليةPhenolic compounds  التى يزداد تراكمها فى الخلايا النباتات المقاومة بعد حدوث العدوى , وايضاُ الفيتوالاكسينات Phytoalexins التى تتكون فى النبات نتيجة التفاعل بين العائل والطفيل وتتراكم فى مكان حدوث العدوى نتيجة الأصابة بالكائنات الدقيقة وتحدث فقط فى الخلايا الحية وتعمل هذة المركبات على الحد من نمو الفطر والبكتريا, وهناك بعض المواد التى ينتجها النبات وتلعب دور هام فى فى تغيير تركيب البروتين او الأنزيمات مثل الأيثيلين, وتكوين الأوكسينات التى يفرزها النبات حيث تؤدى الى زيادة قدرتة على المقاومة, الحساسية الفائقة Hypersensitivity تؤدى تفاعلات الحساسية الفائقة الى الموت السريع لخلايا النبات التى تحيط بموقع الأصابة مما يترتب علية فشل الطفيل فى الأنتشار داخل خلايا النبات. 

- ومما سبق أستعراضة يثبت لنا أن أليات الدفاع داخل النبات خاصة التى تحدث عند بداية الإصابة يتحكم فيها فى المقام الأول جينات المقاومة ومن هنا كانت أهمية جينات المقاومة لدى مربى النبات حيث يقوموا بالبحث عن مصادر المقاومة لتوفير خسائر الإصابة وتكاليف المكافحة الكيماوية, ان باحث امراض النبات ومربى النبات يقوموا بالبحث عن مصادر جينات المقاومة فى الجهات الأتية:

- الأصناف المنزرعة المحلية Local cultivars :
تتميز هذه الأصناف بأنها متأقلمة مع الظروف المحلية وتلقى قبول من المزارعين ويتم تقييم وغربلة السلالات والاصناف النباتية المحلية بحثاُ عن النباتات التى تحمل صفة من صفات المقاومة. 

-الأصناف المستوردة Exotic cultivars :
أذا لم تتواجد جينات المقاومة للامراض فى الأصناف المحلية يلجئ المربى الى أستيراد اصناف من الخارج تحمل صفة المقاومة.

-الأصناف البرية:  Wild cultivars
فى حالة عدم توفر جينات المقاومة فى الأصناف المحلية المنزرعة او المستوردة من الخارج, يبداء البحث عن مصادر المقاومة فى الأصناف البرية خاصه فى المناطق التى نشأة فيها هذه المحاصيل. 

-الأنواع أو الاجناس القريبة:  Related species 
 يلجئ المربى للبحث عن مصادر المقاومة فى الأنواع القريبة من نوع النبات مثل نقل جينات المقاومة لمرض البياض الدقيقى والأصداء من الراى(Secale)  و (Agropyron) الى القمح (Triticum) 

مقدمة دكتور  بدوى رجب مهدلى رئيس قسم بحوث أمراض الشعير 


اشترك في قناة اجري نيوز على واتساب اشترك في قناة اجري نيوز على جوجل نيوز
icon

الأكثر قراءة