تتميز الأراضي المصرية ببيئة صالحة لحياة الطيور المهاجرة ، لذلك هناك 34 موقعًا يضم البيئات الأساسية، ففيها الأراضي الرطبة والجبال عالية الارتفاع، ووديان الصحراء والمسطحات الشاطئية والجزر البحرية، أهم تلك المواقع بحيرة البردويل، وادي الريان، جزيرة الزبرجد، جنوب مرسى علم، القسيم، الزرانيق ببحيرة البردويل في شمال سيناء، وادي النطرون، جزر سيال بالبحر الأحمر، جنوب النيل، جزر روابل بالبحر الأحمر، البحيرات المرة بالقرب من قناة السويس، خزان أسوان، نبق على خليج العقبة، السويس، بحيرة المنزلة، بحيرة ناصر، جبل علبة، جبل الزيت، بحيرة البرلس، جزر الغردقة، سهل القاع بجنوب سيناء، بحيرة ادكو إحدى البحيرات الشمالية المصرية ، جزيرة تيران، رأس محمد، بحيرة مريوط، جزيرة وادي الجمال، جبل مغارة، العين السخنة، بحيرة قارون.
وتنطلق الطيور المهاجرة خريفًا من مناطق التكاثر في شرق أوروبا، وغرب آسيا، جنوبا إلي شمال ووسط القارة الأفريقية، وذلك بحثًا عن الدفء والغذاء، وربيعا في الهجرة العكسية من أفريقيا إلي مناطق التكاثر مجددًا، وفي فصل الخريف يمكن رؤية تلك الأعداد الكبيرة في جنوب سيناء، علي الأخص في منطقة محمية رأس محمد، حيث تعتبر منطقة راحة وغذاء على مسار الهجرة، وفي الربيع يمكن رؤيتها على سواحل البحر الأحمر ، كما يمكن رؤية بعض الأعداد في أغلب أنحاء الجمهورية لكن بأعداد قليلة. ويتضمن مسار الهجرة التي تمر بمصر منطقة وادي الأردن وصولاً إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وبعد ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام من خلال ممرين يعبران من خلال خليج السويس حيث يمر أحدها من أسفل وادي النيل والثاني من الساحل الغربي للبحر الأحمر، مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، ويتبع الممر الثالث الساحل الشرقي للبحر الأحمر، السعودية واليمن، مروراً بالطرف الجنوبي لمضيق باب المندب ليتصل مرة أخرى مع الممرين الآخرين قبل الاستكمال جنوباً إلى حفرة الإنهدام في شرق أفريقيا. ورغم ما تعانيه الطيور المهاجر تظل مصر بموقعها الفريد أعظم مسارات الهجرة عالميًا، فقد منح الله مصر موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، حيث يمر خلالها مسار الأخدود الأفريقي العظيم، وهو ثاني أكبر مسار لهجرة الطيور في العالم، يمر بها سنويا أكثر من 2 مليون طائر ينتمون لأكثر من 500 نوع، بينهم 37 نوع من الطيور الحوامة، وذلك في فصلي الخريف والربيع، حيث يهاجر أكثر من 2 مليون طائر سنويا خلال هذا المسار، بينهم أكثر من 1.2 مليون طائر جارح، و500 ألف لقلق أبيض، و66 ألف بجعة، ومن بين تلك الطيور هناك ستة عشر نوعًا من الطيور المهددة بالانقراض نتيجة لعدد كبير من الأسباب. وتقضي العديد من الطيور المهاجرة فصل الشتاء في مصر، وذلك على سواحل البحرين المتوسط والأحمر وبطول وادي النيل، علي الأخص في الجنوب بأسوان وبحيرة ناصر، فهناك بعض الطيور يمكن رؤيتها بأعداد كبيرة مثل اللقلق الأبيض، البجع، حوام السهول، حوام العسل، كما يمكن رؤية بعض الطيور المهددة بخطر الانقراض مثل الرخمة المصرية، والتي قدسها أجدادنا القدماء المصريين، ورغم ذلك تُعد من الطيور الخمسة المهددة بالانقراض، إضافة إلي الصقر الحر، ملك العقبان الشرقي، العقاب المنقط الكبير، أبو منجل الأصلع. ووتعتبر مصر ثاني أهم مسار للطيور المهاجرة الحوامة في العالم، إذ تتوافد بأعداد كثيفة في فصل الخريف خلال رحلتها من أوروبا إلى المناطق الدافئة التي تستقر فيها أثناء فصل الشتاء. ولا يقتصر هذا النوع من الرحلات على محبي تأمل الطيور ورصدها، إذ يمثل فرصة عظيمة لمصوري الحياة البرية الذين يتوجهون إلى مناطق وجود الطيور للحصول على صور مميزة لأنواع مختلفة منها خلال فترات بعينها من العام. وأما عن الخريطة التي تتبعها تلك الطيور كل عام، فهي تأتى من أوروبا إلى شرق آسيا مرورا بالبحر الأحمر في مصر، فمسار تلك الهجرة يعتبر من أضخم المسارات في العالم، خاصة وأنه يربط بين مواقع التعشيش في أوروبا ومناطق التشتية في أفريقيا للطيور المهاجرة، وتتخذ في ذلك 5 نقاط رئيسية، وهى السويس، العين السخنة، سهل القاع، جبل الزيت، رأس محمد، ثم تستمر الطيور في رحلتها جنوبا إلى شرق وجنوب إفريقيا، قبل أن تعود من جديد بنفس مسار الرحلة، أهم تلك الطيور الصقور والنسور والبجع واللقالق التي تصل أعدادها إلى 37 نوع، بالإضافة إلي "الطيور المائية" التي تصل إلى 255 نوع، و"الطيور البرية" الأخرى.
وهناك أنواع عديدة للسياحة البيئية تزخر بها مصر وتتنوع بتنوع مناطقها، ومن ضمنها رحلات مراقبة الطيور (bird watching) الآخذة في الانتشار خلال الفترة الأخيرة التي أصبح لها مهتمون من المصريين، إضافة إلى الأجانب بطبيعة الحال. ويعتمد هذا النوع من السياحة على التوجه في مجموعات إلى المناطق التي تتركز فيها الطيور لرصدها وتأملها، ويمكن تنظيم هذه الرحلات طوال العام، لكنها تنشط في فترات هجرة الطيور، إذ تكون مصر محطة رئيسة لكثير من الأنواع القادمة من أوروبا في طريقها إلى أفريقيا. ووصل عدد أنواع الطيور الموجودة في مصر بنحو 482 نوعاً، وهو التقرير الذي يتم تحديثه سنوياً بإضافة أي أنواع جديدة يجري رصدها عن طريق المراقبين سواء من المصريين أو الأجانب. إن "سياحة مراقبة الطيور موجودة وقائمة في مصر بالفعل، وهي من المناطق المتميزة في هذا المجال، ويأتي سياح من الخارج للقيام بهذه الرحلات في البلاد، وهناك أشخاص لديهم اهتمام وشغف كبير بهذا المجال ويحرصون على السفر إلى دول مختلفة لرصد أنواع متنوعة من الطيور". ويعتبرهذا النوع من الرحلات لو تم الترويج له بشكل جيد يمكن أن يضاف إلى أنواع السياحة المختلفة التي تشتهر بها مصر، بخاصة أنه بدأ يكون معروفاً بين الناس حالياً بدرجة كبيرة عن فترات سابقة، وهناك أشخاص مهتمون به من المصريين أنفسهم إضافة إلى الأجانب، وبدأت تظهر مجموعات مهتمة بمراقبة الطيور وشركات منظمة لهذا النوع من الرحلات في مناطق مختلفة". وتختلف أنواع الطيور باختلاف فصول السنة، وعن ذلك يشير وحيد إلى أن "موسم الخريف يشهد كثافة في الطيور المهاجرة القادمة من أوروبا وآسيا باتجاه أفريقيا، إذ تكون مصر واحدة من محطاتها التي تمر بها في طريقها، ويشهد موسم الربيع عودة أنواع الطيور نفسها إلى مواطنها، أما فصل الشتاء فتوجد فيه الطيور المتوطنة في مصر إضافة إلى بعض أنواع المهاجرة، في حين يشهد موسم الصيف وجود بعض أنواع الطيور التي تأتي للتكاثر، كما تختلف الطيور أيضاً بحسب البيئة التي يمكنها الوجود فيها، فهناك طيور تعيش في الصحراء، وأخرى على الشواطئ، وأنواع تعيش في المناطق الزراعية مثل دلتا النيل". وبالنسبة إلى الوجهة الأفضل بحسب فترات العام، يضيف "في موسم الخريف تكون أفضل الوجهات مناطق سيناء وشرم الشيخ، وفي الشتاء تفضل المناطق المطلة على النيل والجزر النيلية وأماكن مثل القناطر الخيرية ومحافظة الفيوم، أما فصل الصيف فأفضل الوجهات خلاله هي أقصى جنوب مصر وتحديداً المنطقة بين السد العالي وخزان أسوان، والوجهات الأمثل في فصل الربيع هي مناطق الغردقة والعين السخنة والسويس".
أنواع الطيور المهاجرة لمصر
هناك أكثر من 500 نوع من الطيور المهاجرة تزورمصر سنويًا، تأتي علي رأس قائمة تلك الطيور أهمية طائر الصرد أحمر الظهر، أو ما يمكن تسميته "Red-backed Shrike"، ويعرف في مصر باسم "دقناش الأكحل"، واسمه العلمي "Lanius collurio"، ويفد إلى مصر في الخريف ويمكث عدة أسابيع، وغالبا ما يوجد في المناطق الصحراوية الظليلة أو على قمم الأشجار، وهناك أيضًا الهدهد Hoopoe، ويتواجد في عدة مناطق بالعالم، منها جنوب أوروبا ومناطق في إفريقيا، يفد إلى مصر في الخريف حيث الطقس الملائم لتزاوجه، وهناك أنواع محلية هجين منه في مصر. وهناك أيضا طائر صقر الغزال ""Saker Falcon، والمهدد بالانقراض نتيجة للصيد الجائر وعملية التدريب علي الصيد، والتي تتم بشكل غير احترافي يؤدي إلي موته، يأتي من شرق أوروبا مرورًا بآسيا الوسطي، ويصل في الشتاء إلي شبه الجزيرة العربية وإثيوبيا ومصر، بالإضافة إلي طائر دراسة الشعير، أو ""Ortolan bunting، وهو من الطيور الأوروبية التي تفد إلى مصر خلال الصيف للتكاثر، ويُعد أحد الأطباق الفرنسية التي تقدمها المطاعم، وفي مصر يتم اصطياده وأكله ما يضعه في قائمة الطيور المهددة. أما طائر اللقلق الأبيض، أو Ciconia ciconia""، والذي يُعد أحد أشهر الطيور الوافدة إلي مصر، فهو طائر أوروبي بالأساس يهاجر إلى المناطق الدافئة في تركيا وبلاد الشام وشمال إفريقيا، وهو من الطيور الصامتة أي لا يميل إلي إطلاق الأصوات إلا في الأعشاش، ويمثل رمزًا للخصوبة، ويأتي إلى مصر في الربيع ويرحل في الخريف، ويتواجد في المناطق الزراعية في الدلتا والصعيد. ويُعد طائر السمان، أو "common quail"، أحد أفراد عائلة " Phasianidae" والتي تضم الدواجن أيضًا، وهو طائر يعيش في أوروبا، بعض أعراقه الهجينة تعيش في وسط وغرب إفريقيا، ويهاجر إلى مصر في الشتاء، وعادة ما يتواجد بمحاذاة الشواطئ ويتم اصطياده للحمه الشهي، وهناك أيضًا طائر أبو الفصاد، أو "Wagtail"، ويطلق عليه في الجزيرة العربية اسم ذعرة أو الصعوة، فهو يحرك ذيله للأعلى والأسفل أثناء أكله الحشرات والديدان، ويقضي شتاءه وربيعه في دول دافئة مثل مصر، ويعود إلى أوروبا مجددا من مايو إلى يوليو حيث فترة التخصيب والفقس، ثم تربية الصغار إلى شهر أكتوبر.الوعي البيئي بأهمية الحياة البرية وهجرة الطيور
ضمن المهتمين بمثل هذا النوع من الرحلات مصورو الحياة البرية الذين تعد فترات وجود الطيور المهاجرة في مصر فرصة ذهبية لهم للحصول على صور مميزة لها، لكن هذه الرحلات تتطلب استعدادات خاصة للحصول على أفضل صورة ممكنة. وكثير من الناس يرى أن مثل هذا النوع من الرحلات التي يتفاعل فيها الناس مع الحياة البرية قد لا يكون في صالح الأخيرة نتيجة سلوكيات سيئة يقوم بها بعضهم وقد يكون لها مردود سلبي على البيئة والكائنات الحية، وهنا يقول وحيد "بالطبع هذا النوع من الرحلات يحتاج إلى درجة كبيرة من الوعي البيئي، فهو ذو طبيعة خاصة ويتطلب إجراءات معينة تضمن سلامة البيئة والحياة البرية فيها، والقائمون على تنظيم مثل هذا النوع من الرحلات التي لها طابع بيئي ومن بينها مراقبة الطيور يكونون غالباً على وعي كبير بهذا الأمر، ومن ثم ينقلونه إلى المشاركين من خلال تعريفهم بطبيعة المكان وأنواع الطيور وسلوكياتها، وما ينبغي أن يفعلوه أو يمتنعوا عنه خلال الرحلة حتى لا يتسببوا في أي أضرار للبيئة والحياة البرية في المنطقة التي يتوجهون إليها". ورغم أن الدولة المصرية تقوم بجهود حقيقية للحفاظ علي تلك الثروة القومية، سواء من خلال سن القوانين الحازمة، حتي أنها اضطرت لتطبيق نظم الإيقاف المؤقت لطواحين الهواء بالقرب من تلك المسارات، أو من خلال الاستفادة القصوى من موسم الهجرة، وذلك من خلال مشروع "صون الطيور الحوامة"، والذي يهدف للترويج لسياحة مشاهدة الطيور، والتي من الممكن أن تصبح أحد الروافد الأساسية للسياحة المصرية، فقد تم تدريب المرشدين السياحيين، وتجهيز نقاط لمشاهدة هجرات الطيور في المواسم المختلفة، بل وإقامة مواقع للترويج على شبكة الإنترنت.بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان - عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم.