صدرت العديد من التقارير بخصوص التغيرات المناخية وتأثيرها وتأثرها بالزراعة ولقد باتت الرسالة واضحة الان: وبناء عليه فقد
أصبح لزاما علينا جميعًا أن نتخذ قراراتنا مع وضع المناخ في الاعتبار. من المعلوم
ان الزراعة تعتبر واحدة من أكبر مصادر إنبعاث الغازات الدفيئة، ولكنها أيضًا واحدة
من أكبر حلفاء المناخ. ويمكن لقطاع الزراعة أن يلعب دوراً كبيراً في التخفيف من
أثار الموجات المناخية عن طريق الحد من الإنبعاثات وتجنب المزيد من فقدان الكربون
المخزن في الغابات والتربة. الجدير بالذكر أن الحفاظ على صحة التربة والغابات يساعد
أيضًا على مكافحة تغير المناخ، حيث يعمل كلاهما بمثابة "بالوعات" تعزل
الكربون، ولا دليل بخير من عمليات قطع الأشجار على الطرق فى مصر وربطه بالبثقة
الحرارية المتطرفة التى اشتكى منها كل المصريين فى تلك الآونة.
ويرجع البعض أسباب موجات الحر غير المسبوقة التي تشهدها البلاد في هذه الفترة إلى تقلص المساحات الخضراء، ففي محافظة القاهرة وحدها تقلصات المساحات بما يعادل 910 الف فدان وذلك في المدة بين عامي 2017 - 2020، بينما تراجعت المساحات الخضراء في مصر على وجه العموم من 7.8 مليون م٢ فى عام 2017 إلى حوالى 6.9 مليون م٢ فى عام 2020 .
الجدير بالذكر أن الأشجار وسيلة أساسية ومنخفضة التكلفة وفعالة لمعالجة تلوث الهواء وتوفير الظل الذى يعمل على تخفيف حدة الحرارة في الشوارع. وأخيرًا،
يعد الحد من فقد الأغذية وهدرها والدعوة إلى أنماط أفضل لاستهلاك الغذاء من الجهود
المهمة الأخرى في مجال تأثير الزراعة. ويعيش أكثر من ثلاثة أرباع فقراء العالم في
المناطق الريفية، ويعتمد الكثير منهم على الزراعة في كسب عيشهم. إن هؤلاء السكان
الريفيين، وخاصة في البلدان النامية، هم الأكثر تضررا من تغير المناخ. وتتحمل
أنظمتنا الزراعية والغذائية وطأة ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات في أنماط هطول
الأمطار، وإرتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة. تعتبر
الزراعة "الذكية مناخيا" “Climate-Smart” Agriculture (CSA) هي نهج يساعد على تحويل وإعادة
توجيه النظم الزراعية لضمان الأمن الغذائي ودعم التنمية الريفية في مناخ متغير.
ويركز هذا النهج على المزارع أو الصياد أو الراعي. من هنا يمكن القول ان الزراعة
الذكية مناخيا تسعى أساسا إلى تحقيق ثلاثة أهداف ضرورية: زيادة الإنتاجية الزراعية
بشكل مستدام وتحسين دخل المزارعين، وبناء قدرة المزارعين على الصمود أمام تغير
المناخ ومساعدتهم على إيجاد سبل للتكيف، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وسوف نستعرض هنا
مجموعة من المبادرات الناجحة التى تبنتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) على
المستوى العالمى حيث إستخدمت نهج الزراعة الذكية مناخية لإفادة المجتمعات الزراعية
فى العديد من المناطق للعمل على تحقيق الهدف العالمي الثالث عشر من أهداف التنمية
المستدامة والمتمثل في مكافحة تغير المناخ وآثاره.
المبادرة الأولى: مبادرة الجدار الأخضر
العظيم للصحراء والساحل
في منطقة الساحل بأفريقيا، تشكل الأراضي الجافة والصحاري ثلثي إجمالي الأراضي المتاحة. حيث يؤثر التصحر على الملايين من الأشخاص الأكثر ضعفاً. فى عام 2007 تأسست بقيادة الاتحاد الأفريقي، المبادرة الرائدة في أفريقيا لمكافحة آثار تغير المناخ والتصحر، مبادرة الجدار الأخضر العظيم للصحراء والساحل في بوركينا فاسو والنيجر. وقد دعمت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، استصلاح الأراضي على نطاق واسع من خلال الجمع بين تقنيات مثل الزراعة التخصيبية والبذر المباشر والتسييج لتشجيع التجدد الطبيعي وبناء القدرات المحلية وتعزيز سلاسل القيمة للنباتات الشجيرية غير الخشبية ذات الإمكانات العالية، مما ساعد على تعزيز تنويع الأنشطة الاقتصادية. ونتيجة لهذا البرنامج، تمت زراعة واستصلاح ما يقدر بنحو 12000 هكتار من الأراضي المتدهورة. وبالطبع يمكن تطبيق هذه الأنشطة في جميع البلدان التي تواجه تدهور الأراضي والتصحر. فى مصر وعلى طول الساحل الشمالى واراضى الصحراء الشرقية والغربية يمكن بالإرادة تحقيق مثل هذه المبادرة عن طريق إختيار النباتات الشجيرية والتى تتحمل ظروف تلك المناطق كلا حسب الدراسات التى تتم من قبل المتخصصين. إن مشاريع مثل مبادرة الجدار الأخضر العظيم في منطقة الساحل تفيد المجتمعات الزراعية وتعمل على تحقيق الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في مكافحة تغير المناخ وآثاره.
المبادرة الثانية: الحدائق العائمة، نظام الإنتاج الزراعي المُراعي للمناخ في بنجلاديش
تشهد بنجلاديش هطول أمطار غزيرة بشكل متزايد وعواصف متكررة وارتفاع منسوب مياه البحر مما أدى إلى فيضانات شديدة. من المسلم به، أن كثيراً ما تُفقد المحاصيل نظراً لظروف التشبع بالمياه المستمرة، وتصبح الأراضي المخصصة للزراعة نادرة. واستناداً إلى المعرفة المحلية، حوّل المزارعون موسم الفيضانات الطويل إلى فرصة لإنشاء "حدائق عائمة". هذه الأراضي العائمة مصنوعة من مواد عضوية محلية تُزرع عليها الخضروات المختلفة. يقوم المزارعون بإعداد أحواض مستطيلة الشكل خلال شهري يونيو ويوليو، وبعد بضعة أيام، يقومون بزراعة الشتلات في قاع الحديقة. حيث يتم زراعة حوالي 30 نوعًا من الخضروات، بما في ذلك البامية والخيار والخس واللفت والكرنب والقرنبيط والطماطم، والتوابل، مثل الكركم والفلفل الحار، وذلك في نظام الإنتاج المائي هذا. وتعتبر تلك الحدائق العائمة صديقة للبيئة، حيث تساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية. كما يُعد الإنتاج العضوي للخضروات مهمًا للأسواق المحلية والحضرية وأسواق التصدير.
المبادرة الثالثة: الإهتمام بتربية
سلالات الحيوانات المحلية
من أجل المناظر الطبيعية الذكية مناخيا في غرب البلقان وفي ألبانيا والبوسنة والهرسك وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وغيرها من بلدان غرب البلقان، يعد إنتاج الخنازير مهمًا لسبل العيش والنظام الغذائي والثقافة. يجذب إنتاج الخنازير المحلية المزيد من اهتمام المستهلكين، حيث تتطلب سلالات الخنازير المحلية في كثير من الأحيان أنظمة أقل كثافة وتقدم منتجات ذات جودة أعلى. نظرًا لكونها موطنًا لهذه المنطقة، فإن أنواع الخنازير هذه تتكيف بشكل أفضل مع الظروف المناخية المحلية، لكن أعدادها تنخفض بسبب "السلالات المحسنة" التي يُنظر إليها على أنها أكثر ملاءمة للتصدير. ومع ذلك، يمكن تربية السلالات المحلية في كثير من الأحيان على الأراضي الزراعية غير المناسبة لأنظمة الإنتاج الأخرى، ويمكن أن تلعب دورًا مهمًا في أنشطة الحفظ التي تتبع نهج المناظر الطبيعية الذكية مناخيًا. على سبيل المثال، فإن سلوك رعي الخنازير يبقي الأرض "مفتوحة" ويساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي. في أراضي الشجيرات، حيث تعمل الخنازير بمثابة "المحاريث الحية". إن رعي سلالات الحيوانات الأصلية مفيد لأي منطقة. نظرًا لعلاقتها الطبيعية بالمناظر الطبيعية، يمكن للحيوانات البقاء على قيد الحياة دون الكثير من الاهتمام فيما يتعلق بالتغذية وإدارة الأمراض. يتوائم هذا النموذج مع الساحل الشمالى الذى يمكن تطويره بزراعة شجيرات علفية تلائم تربية الإبل والأغنام البرقى والماعز مما يحسن من دخل أهل المنطقة وتتوفر اللحوم مما يقلل من استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة.
المبادرة الرابعة: تربية بلح البحر الذكية مناخيا في شيلي
في شيلي، يؤدي تغير المناخ وتقلب المناخ إلى الإضرار بإنتاج بلح البحر بثلاث طرق: زيادة وتيرة المد الأحمر السام الناجم عن انتشار الطحالب، وتحمض المحيطات، ونقص بذور بلح البحر البري لإنخفاض تكاثرها. واستجابة لذلك، طورت شيلي طريقة ذكية مناخيا لتربية بلح البحر لا تنتج سوى القليل من إنبعاثات الغازات الدفيئة أو لا تنتج عنها أي انبعاثات على الإطلاق. تتم الزراعة باستخدام "الخط الأم" الذي يبلغ طوله عادة حوالي 100 متر ويتم ربطه بأسفل العوامات. يمكن أن تتدلى العديد من الخطوط الرأسية الأخرى من الخط الأم. تتم أغلبية استزراع بلح البحر في أنظمة احتجاز عائمة أو تحت الماء، مما يشجع بلح البحر على الترشيح الدائم للعوالق النباتية من الماء. وقد تم تكرار نظام استزراع بلح البحر هذا في البلدان التي تواجه تأثيرات مناخية مماثلة. على سبيل المثال، تمتلك نيوزيلندا أيضًا خطًا ساحليًا طويلًا مهددًا بتغير المناخ، ولكنها انضمت الآن إلى شيلي باعتبارها واحدة من أكبر خمسة منتجين لبلح البحر في العالم. بالنسبة لبلدان مثل شيلي ونيوزيلندا، حيث تعد صناعة إنتاج بلح البحر أمرًا حيويًا لدخل وسبل عيش مزارعي بلح البحر، فإن هذا النظام يوفر التكيف والقدرة على التكيف مع ظاهرة النينيو والمد والجزر الحمراء وغيرها من المخاوف المناخية.
المبادرة الخامسة: التغلب على ندرة المياه في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا
تعاني منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بانتظام من نقص حاد في المياه: 90% من المنطقة تتكون من مناطق قاحلة وشبه قاحلة وجافة شبه رطبة، و45% من إجمالي المساحة الزراعية معرضة للملوحة وإستنزاف المغذيات من التربة وتآكلها بواسطة الرياح والمياه. وكان الاستغلال المفرط للمياه الجوفية مثيرا للقلق. وحدث إنخفاضا فى نصيب الفرد من المياه العذبة بنسبة 23% على مدى الأربعين سنة الماضية، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 50% أخرى بحلول عام 2050. وتتدهور نوعية المياه وكميتها، في حين تتزايد المنافسة على المياه بين جميع القطاعات الزراعية. ولمواجهة هذه التحديات، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة المبادرة الإقليمية بشأن ندرة المياه في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمساعدة البلدان على تحديد وتبسيط السياسات وإصلاحات الحوكمة والخيارات الإقتصادية والمؤسسية والفنية والإبتكارات التي يمكن أن تحسن الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي في المنطقة بشكل مستدام. وقد ساعدت هذه المبادرة على تعزيز التعاون بين البلدان ومع الشركاء الدوليين من أجل التوصل إلى نهج مشترك لمواجهة التحديات التي تفرضها ندرة المياه. وقد أدت نتائج هذه المشاريع الذكية مناخيا إلى خلق فهم أفضل للمسرعات والحواجز المحتملة أمام اعتماد هذا النوع من الزراعة. ولدينا فى مصر مشكلة الدلتا وارتفاع نسب الملوحة بها ونرى إن تكون لدينا مبادرة واعية نحافظ بها على أراضى الدلتا وانتاجيتها من المحاصيل الاستراتيجية. فى الواقع فان تغير المناخ يفرض تحديات محددة على الأغذية والزراعة المستدامة، يمكن لنهج الزراعة الذكية مناخياً أن يساعد المزارعين على التغلب على هذه العقبات للحفاظ على سبل عيشهم والمساعدة في ضمان مستقبل خالٍ من الجوع.
ا. د. فوزى أبودنيا
المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى
تابع موقع اجرى نيوز عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
اجرى نيوز ، موقع إخباري يقدم أهم الأحداث المحلية والعربية والعالمية وخدمات صحفية محترفة في الأخبار والاقتصاد والزراعة والعلوم والفنون والرياضة والمنوعات، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية.
لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، اخبار مصر ، اخبار الزراعة ، صناعة الدواجن ،الثروة الحيوانية، بنوك واقتصاد ،اجرى لايف ،مقالات ،منوعات، وخدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.