يحتوي طبق الطعام على الكثير من
الفيتامينات والعناصر المعدنية، ومن ضمن ما تشتمله أيضا النباتات المأكولة، بقايا
الهرمونات، التي تنتجها النباتات لشلتحكم في كيفية نموها وتطورها وإدارة استهلاكها
للمياه. في الآونة الأخيرة، أفاد العلماء أن ميكروبات وخلايا الأمعاء لدينا قد
تستجيب لهذه الهرمونات وحتى أنها تنتج جزيئات مماثلة في التركيب خاصة بها.
في الواقع قد يلجأ بعض المزارعين الى إضافة الهرمونات النباتية مثل حمض الأبسيسك لتسريع كبر ونضج الثمار، إلا أن هذا لا يعنى أن الثمرة
سامة، وإن كان طعمها أقل جودة من تلك التي تنضج بشكل طبيعي. بالإضافة الى ذلك فان كبر حجم الثمار وتركيز
لونها ليس بالضروري أبدا أنه بسبب استخدام الهرمونات النباتية، بل ان هذه الحالة
تكون ناتجة عن استنباط أصناف جديدة كبيرة الحجم أو من هجن بين النباتات. فمثلا الفراولة كبيرة الحجم ليست بسبب الهرمونات بل ترجع الى استنباط أصناف جديدة،
وأيضا البطيخ، والعنب عديم البذور، فهي ناتجة عن أصناف جديدة. كذلك فقد أمكن إنتاج
أصناف جديدة من المشمش كبيرة الحجم، وأيضا فان الخوخ الناعم، هو ناتج التهجين بين
الخوخ والبرقوق، وهكذا.
الهرمونات النباتية عبارة عن مركبات طبيعية عضوية تفرزها النباتات
في كل مراحل نموها بكميات متناهية الصغر بهدف تنظيم نموه (زيادة أو نقصان واتجاها)
وتساعد النبات في إنتاج الزهور والثمار ولا يخلو سنتيمتر واحد من النبات من
الهرمونات، سواء كان جذر أو ورقة أو ثمره أي أننا نأكلها في السلطة، كما نأكلها في
الثمرة. تنقسم الهرمونات النباتية الى خمس مجموعات
رئيسية هي االوكسينات–الجبريلينات–السيتوكينينات–االثيلين–وحمض االبسيسيك
وجدت البحوث العلمية حديثا أن الهرمونات النباتية تؤثر على الميكروبات في النبات وفي المحيط
الجذري له أي أن الهرمونات النباتية تعتبر وسطاء أساسية للتفاعلات بين النبات
والميكروبات، بالإضافة الى انه وجد أن البكتيريا النافعة للنبات بدأت تقلد النبات
نفسه في إنتاج الهرمونات النباتية. من ناحية أخرى تؤثر الكائنات الحية الدقيقة النباتية والبشرية على
صحة العائل عموما من خلال التوسط في استيعاب العناصر الغذائية، والاستجابات
للتوتر، وإنتاج الهرمونات.
هذا وقد اكتشف الباحثون في فرنسا كيف يمكن للهرمونات
النباتية أن تؤثر على صحة الإنسان، فكما نعلم أن الكائنات الحية الدقيقة في
الأمعاء متورطة في الأمراض التي تصيب الإنسان، وأن الميكروبات يمكنها تصنيع
الهرمونات النباتية التي تؤثر على البشر، لذلك فمن المنطقي دراسة التفاعلات بين
الحيوانات والميكروبات من منظور نباتي. وعموما تشترك الهرمونات النباتية في
أوجه التشابه الكيميائي مع الهرمونات البشرية، وتثير استجابات في الخلايا الحيوانية.
ولهذا فقد
بدأت بعض الدراسات في إلقاء الضوء على تأثيرات الهرمونات النباتية التي يتم
تناولها في النظام الغذائي على فسيولوجيا الإنسان والقوارض. لقد ثبت جيدًا
أن الهرمونات النباتية مثل الأكسينات والسيتوكينين (CKs) وحمض الأبسيسيك (ABA) لا تحكم فقط السمات الفسيولوجية
للنباتات المهمة ولكنها تلعب دورًا رئيسيًا في التفاعلات بين النبات والميكروبات،
ومع ذلك، فإن الحقيقة التي لم يتم تقديرها بشكل جيد هي أن كل من الميكروبات
والحيوانات تنتج وتدرك الهرمونات نباتية المصدر وتقلدها.
على سبيل المثال، تم ربط ميكروبات
الأمعاء والعوامل الغذائية بمرض التهاب الأمعاء وآلام مماثلة، على الرغم من أن
الآليات الدقيقة لا تزال غير معروفة. حيث تشير الدراسات في هذا الجانب الى
انه يمكن أن يؤدي هرمون النبات حمض الأبسيسيك (ABA)، الذي يتم
إفرازه لتنبيه النبات إلى ظروف الجفاف، إلى تفاقم الالتهاب، بينما تعمل مجموعة
أخرى من الهرمونات، وهي أحماض الجبريليك (GAs)،
على تقليل الالتهاب. ولذلك يقترح الباحثون أن تخليق هذه الهرمونات بواسطة ميكروبات
الأمعاء يمكن أن يكون مسؤولاً عن تأثيرها المعقد والمتناقض على الأمراض
الالتهابية، ويضيفون أيضًا أن الأنظمة الغذائية
الغنية بـGAs، والتي قد تشمل الحبوب والسبانخ، يمكن استخدامها لمكافحة
الاضطرابات الالتهابية. الأمر المذهل هو أن الناس يلجؤون بالفعل إلى الكائنات
الحية الدقيقة لتحسين صحتهم عندما تستخدم البروبيوتيك، لكننا لا نفهم حقا لماذا
تعمل بعض هذه البروبيوتيك والبعض الآخر لا يعمل.
وبالتالي فان استخدام الهرمونات
النباتية في هذه العملية التنظيمية يشير الى إمكانية تناول تلك الهرمونات في
البذور والخضروات والذي يمكن أن يكون له نفس النتيجة.
مثال آخر على تأثير الهرمونات
النباتية على صحة الإنسان هو تحفيز زيادة امتصاص الجلوكوز بواسطة ABA ، حيث لاحظ الباحثون أن تناول الفواكه والخضروات الغنية بـ ABA مثل المشمش، والتي درسوها بشكل خاص، وكذلك التفاح والجزر
والبطاطا يمكن أن يساعد في تخفيف جوانب مرض السكري.
هرمون نباتي آخر، حمض الإندول أسيتيك (IAA)، يقتل الخلايا السرطانية عند التعرض للأصباغ المثارة عالية الطاقة
في العلاج الديناميكي الضوئي. كما يضيف الباحثون أن بعض الهرمونات النباتية، بما
في ذلك IAA،
يجب دراستها بشكل أكبر من أجل مكافحة الأورام، لأنها تغير دورة الخلية بطرق واعدة
للقضاء على الخلايا السرطانية. أما بالنسبة لسبب كون الهرمونات التي تحافظ على صحة
النباتات وقوتها لها أيضًا مجموعة متنوعة من التأثيرات على البشر، فيرى الباحثون
إن التشابه في الأشكال الجزيئية هو أحد الأسباب المعقولة لتلك التفسيرات. كما يرى
بعض العلماء أن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن الهرمونات النباتية مرتبطة
هيكليًا ببعض المستقبلات في الحيوانات، بما في ذلك البشر. ربما تتناول الأسبرين،
على سبيل المثال، لوقف الألم والالتهاب - فجزيء الأسبرين يشبه إلى حد كبير حمض
الساليسيليك،" الجزيء الذي يقوم كهرمون بأشياء كثيرة
للنباتات."
قد يكون التطور المشترك أيضًا جزءًا
من التفسير، لقد حدث تطور في بيئة تشمل النباتات والميكروبات أثناء استهلاك
الهرمونات النباتية. على سبيل المثال لدينا IAA وABA في أجسامنا، وحتى لو لم نكن نعرف من أين أتوا،
فربما يكون قد حدث تطور لطرقً للاستجابة لهم بمرور الوقت. على الرغم من أن الباحثين يحذرون من أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحديد
الهرمونات النباتية كسبب للعمل الميكروبي، وكذلك للتحقيق فيما إذا كانت عملية
الهضم تحد من وظيفتها، إلا أنهم يقولون إن الهرمونات النباتية يمكن أن تعيد صياغة
طريقة تفكيرنا في التغذية. نحن نتحدث عن طريقة مختلفة لتقييم الجودة الغذائية
للفواكه والخضروات والحبوب من خلال النظر في الهرمونات النباتية بدلا من التصنيفات
الواسعة مثل الدهون والألياف.
من المعروف لدينا
بالنسبة للبشر أن القناة الهضمية للبشر تعج بالكثير من الميكروبات ويبلغ وزن
البكتيريا في جسم الفرد منا ٢ كجم، وهذا يعنى أن بداخلنا بلايين الخلايا البكتيرية
التي تعمل ضددنا أو تلك التي تعمل لصالحنا وتحلل المواد وتساعد على الامتصاص
بالمعدة والأمعاء. في الآونة
الأخيرة بدأت الأبحاث الحديثة تثبت أن البكتيريا بداخلنا تنتج أيضا جزيئات تشبه
الهرمونات النباتية ولكن تركيب هذه الهرمونات مازال تحت الدراسة، إلا انه قد وجد
أنها ذات أثر إيجابي وليس سلبي، علاوة على ذلك، تؤثر هرمونات النباتات الغذائية
على العمليات الفسيولوجية للإنسان مثل امتصاص الجلوكوز والالتهاب وانقسام الخلايا. في بحوث أخري
عن دور الهرمونات النباتية في تقوية المناعة عند البشر، وجد أن الهرمونات النباتية
يمكن أن تكون محفزة للبشر- أو على الأقل لخلاياهم المناعية حيث حدد المؤلفون هرمون
النبات حمض الأبسيسيك (ABA) على أنه سيتوكينين بشري.
في النباتات، تؤدي ABA إلى استجابات الإجهاد مثل سكون البذور وإغلاق الثغور. وفى دراسات أخرى على
الحيوانات البسيطة جدًا مثل الإسفنج وجد أنها تستخدم أيضًا مسارات تحركها ABA للاستجابة للضوء والحرارة.
تجد الآن أن نطاق ABA يمتد إلى
الثدييات. غالبًا ما تكون
الخلايا الأولى التي تتعرض للضغوط البيئية هي الخلايا المناعية، تظهر نتائج
المجموعة أن الخلايا المناعية البلعمة التي تسمى الخلايا الحبيبية تصنع ABA استجابةً لارتفاع درجة
الحرارة، مثل درجة الحرارة.
تستدعي ABA المزيد من الخلايا المناعية، عن طريق تنشيط الحركة الكيميائية. كما أنه
يحفز البلعمة وإنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية (التي تساعد على قتل مسببات
الأمراض) وأكسيد النيتريك (تزيد من قدرتهم على تحمل التوتر والهضم والمناعة ضد
الأمراض، ولذلك لا تنزعج بالنبات ابدأ حتى ولو كان قد تم معاملته بالهرمونات كما
يدعي البعض. لا تخشي
الهرمون النباتي فهو في صالح صحتك والخوف كله من المبيدات وهي تضرك كما تضر النبات
ولا ذنب للنبات فيه.
الدكتور/ فوزي أبو دنيا المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني