لا تعتبر انبعاثات الكربون وآثارها في رفع درجة حرارة الأرض
هي وحدها المسئول عن التلوث البيئي وما يترتب على ذلك من الهجمات المناخية. جنبًا
إلى جنب مع انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يعد التلوث بالنيتروجين أحد أكثر
المحركات العالمية - من صنع الإنسان - تأثيرًا في تدهور التنوع البيولوجي.
في
الواقع توجد عديد من الآثار الضارة المباشرة وغير المباشرة للتلوث بالنتروجين
والذى يعمل العالم حاليا جاهدا على الحد من هذا التلوث. ففي “تقرير الآفاق” 2018 –
2019، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وُصِفَ التلوث بالنيتروجين بأنه
إحدى أهم قضايا التلوث التي تواجه البشرية. ولمواجهة هذا، تم الانتهاء في ديسمبر
2022 من إعداد اتفاقية عالمية تاريخية لحماية التنوع البيولوجي، وذلك من خلال فعاليات مؤتمر التنوع البيولوجي في
مونتريال “COP15″؛ لتضع هذه
الاتفاقيةُ أهدافًا للحد من التلوث من جميع المصادر، وهذا بهدف ألا تكون الملوثاتُ
ضارةً بالحياة والنظم البيئية بحلول عام 2030 . سوف نسلط الضوء هنا على أربعة من
تلك الأثار التي يعطل بها التلوث بالنيتروجين الحياة على الأرض وتحت الماء، وهذا
لتجنب أي عواقب لا يحمد عقباها في المستقبل.
بداية لابد ان نعرف ان النيتروجين يعتبر أحد العناصر
الوفيرة في الغلاف الجوي للأرض، وهو الذي يعطى للسماء لونها الأزرق الذى نراه
جميلا، كما يشكل أساس البروتينات في أجسامنا، ويساعد على خصوبة التربة. بالرغم من
هذا فإن النيتروجين الزائد في البيئة بسبب النشاط الإنساني، مثل: استخدام الأسمدة
الصناعية، أو تصريف المياه العادمة (هى
مخلفات سائلة أو مياه تأثرت نوعيتها سلباً نتيجة التأثير البشري عليها. وهي تشمل
المخلفات السائلة المصرفة من المجمعات السكنية، والتجارية، والصناعية، والزراعية،
وقد تحتوي أيضا على مجموعة واسعة من الملوثات المحتملة وبتراكيز مختلفة)، أو حرق الوقود الأحفوري - يعتبر
خطرًا داهمًا يلوث عناصر بيئتنا كلها، من أرض وماء وهواء، ويسهم فى تفاقم ظاهرة
تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون التي بدأتْ في التعافي أخيرًا. من ناحية اخرى،
فان النيتروجين يعتبر عنصرًا غذائيًّا أساسيًّا وضروريًّا لبقاء جميع الكائنات
الحية على الأرض، ولكن العالم في حاجة إلى أنْ يستيقظ ويعي مدى خطورة قضايا نفايات
النيتروجين، وأنْ يدرك الفرص المتاحة؛ حتى يتخذ إجراءات مشتركة لأجل استخدام هذه
النفايات بشكل مستدامة.
ويمكن تلخيص الآثار الضارة لعنصر النتروجين فى النقاط
التالية:
أولا: التسبب فى تعطيل الحياة على الأرض وفى مناطق المحيطات
والبحيرات الميتة.أن زيادة مركبات النيتروجين عن حدود استهلاك النباتات، تجعل النيتروجين الزائد يتسلل إلى البيئة عندما يغسل المطر النترات، وغالبًا ما تجد هذه المركبات طريقها إلى النظم الإيكولوجية المائية، وبمجرد وصول النيتروجين إلى هذه الأنظمة يمكن أنْ يتسبب في زيادة معدلات نمو الطحالب السامة بصورة سريعة، وهي الظاهرة المعروفة باسم الازدهار الطحلبي، حيث تستنفد هذه الطحالبُ الأكسجينَ في الماء مما يؤدي إلى اختناق الحياة المائية، ويمكن أنْ تخلق مناطقَ ساحليةً ميتةً تؤثر في الحياة تحت الماء والنتيجة تواجد "منطقة مائية ميتة"، حالياً، يوجد أكثر من 400 منطقة ميتة في محيطات العالم.
ثانيا: تلوث الهواء بالنيتروجين له إسهام رئيسي في تغير المناخ.
تنبعث من السيارات ومحطات الطاقة أكاسيد النيتروجين، والتي تعد واحدة من السلائف الرئيسية لنوع من تلوث الهواء يسمى الجسيمات. يمكن استنشاق هذه الجزيئات الصغيرة إلى رئتينا، حيث تسبب تلف الأنسجة المرتبط بمجموعة من المشاكل الصحية. على الجانب الآخر، عندما يتعرض النيتروجين في صورته النشطة - كما هي الحالُ في الأسمدة- للتربة تحدث تفاعلات نتيجة تواجد الكائنات الحية وينطلق أكسيد النيتروز، ويعتبر هذا الغاز الأخير أقوى 333 مرَّة في رفع حرارة الغلاف الجوي مقارنةً بثاني أكسيد الكربون، كما أنه يظل نشطًا في الغلاف الجوي لأكثر من 100 عامٍ. أضف إلى ما سبق تكاثر الطحالب في البحيرات والمجاري المائية، وهذا -غالبًا- بسبب تسلل الأسمدة إليها؛ فينبعث عنه -أيضًا- كميات من الغازات الدفيئة. قضية أخرى، هي انبعاثات الأمونيا الزراعية التي هي أحد الأشكال الغازية من النيتروجين، حيث تنبعث في الغلاف الجوي نتيجةً لانتشار الاعتماد على الأسمدة الصناعية من ناحية، ومن ناحية أخرى إنتاج وتخزين واستخدام روث الحيوانات. وعلَى الرغم من أنَّ الأمونيا ليست غازات دفيئة في ذاتها، فإنها تعمل عند إطلاقها في الهواء كقاعدة لانبعاثات أكسيد النيتروز، الذي يُعَدُّ أحد الغازات الدفيئة القوية.
ثالثا: التلوث بالنيتروجين يهدد إيكولوجية التربة وصحة الإنسان
يمكن لنفس النترات التي تتسلل إلى المجاري المائية إعاقة حصول النباتات على العناصر الغذائية الأساسية من التربة، بما في ذلك المغنيسيوم والكالسيوم. حيث يمكن أن يجعل هذا التربة حمضية للغاية، وبالتالى لا تتمكن النباتات من الحصول على احتياجاتها بشكل صحيح. اضف الى ذلك ان الماء الذي يحتوي على مستويات عالية من النترات - هي شكل من أشكال النيتروجين الناتج عن فضلات الحيوانات وتحلل النباتات - يزيد من خطر إصابة الأطفال بميتيموجلوبين الدم، التي يشار إليها -عادةً- باسم “متلازمة الطفل الأزرق” التي قد تكون قاتلةً. ويمكن أيضًا أن تزيد المستويات العالية من النترات في مياه الشرب مِن خطر الإصابة بالسرطان بين البالغين. بالإضافة إلى ذلك تُعَدُّ انبعاثاتُ الأمونيا -إضافةً إلى إسهامها في تغير المناخ- محركًا مهمًّا لتلوث الهواء والتقليل من جودته؛ وبالتالي زيادة الآثار الضارة على صحة الإنسان.
رابعا: آثار التلوث بالنيتروجين على ثقوب الأوزون والأضرار الإقتصادية
تتحول النترات الزائدة عن طريق البكتيريا إلى غاز أكسيد النيتروز. في طبقات الجو العليا، يتفاعل هذا الغاز مع الأشعة فوق البنفسجية ويقضي على طبقة الأوزون التي تحمينا من تلك الأشعة. ومما يزيد من صعوبة هذا الضرر أن أكسيد النيتروز له عمر افتراضي يصل إلى 100 - 120 عامًا. المثير فى الأمر ان الآثار الضارة نتيجة التلوث بالنيتروجين يكلف الاقتصاد العالمي ما بين 340 مليار و3.4 تريليون دولار أمريكي سنويًّا، وذلك وفقًا لـ “تقرير آفاق” 2018 – 2019 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تكلفة تأثيره في صحة الإنسان والنظم البيئية؛ لذا ترتبط معظم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بالإدارة المستدامة للنيتروجين، حيث يقول الخبراء: إن استخدامَ هذا العنصر بشكل أكثر كفاءة في إنتاج الغذاء مفتاح لتقليل فائض النيتروجين المنطلق في البيئة.
مِن الجدير بالذكر، هو أنَّ الحكومات قد اعتمدت في العامِ الماضي - في الدورة الخامسة المستأنفة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة - قرارًا بشأن الإدارة المستدامة للنيتروجين، وبالرغم مِن أنَّ القرار الأول لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بشأن الإدارة المستدامة للنيتروجين -الذي تم تبنيه من مارس 2019- قد مَهَّدَ الطريق إلى العمل العاجل بشأن النيتروجين – فإنَّ هذا القرارَ الأخيرَ لا يقل أهميةً؛ لتضمنه أهدافًا طموحةً وجدولًا زمنيًّا لتحقيقها بحلول عام 2030 وما بعده. .ولمحاربة أثر التلوث المتفشي في المجتمعات، أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة استراتيجية “Beat Pollution” أو التغلب على التلوث، وهي استراتيجية للعمل السريع والواسع النطاق والمنسق ضد تلوث الهواء والأرض والمياه. تسلط الاستراتيجية الضوء على أثر التلوث في تغير المناخ، وتدهور الطبيعة، وفقدان التنوع البيولوجي، وإعتلال صحة الإنسان.