في الوقت
الحالي، اصبحت الأنواع الحية تنقرض بوتيرة أسرع بمئات بل بآلاف المرات عما كان
عليه الوضع قبل ملايين السنين، حيث يوجد الآن قرابة مليون فصيلة حية على حافة الانقراض. وهناك سؤال يطرحة العلماء هل يمكن
للتكنولوجيا أن تلعب دورا في الحفاظ على البيئة. وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن
يسهم في الحفاظ على جمال وتنوع عالمنا.
دعونا نستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن
يكون الحل الذي ننتظره للتحديات البيئية في المستقبل. ويتجه العدديد من
الباحثين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة التنوع البيولوجي وتعزيز جهود حماية
الأنواع الحية المهددة بالانقراض. وبعكس الوسائل التقليدية التي قد تعرقل عمل
الأنظمة البيئية أو تتطلب قدرا كبيرا من الوقت والجهد والموارد، حيث يستطيع الذكاء
الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات اللازمة في مجالات حماية البيئة مع تحقيق
عنصري السرعة والكفاءة.
ويبرز الذكاء الاصطناعي كحليف قوي للمجتمعات المهتمة
والمنخرطة في جهود الحفاظ على البيئة، ويأتي ذلك في وقت نواجه فيه تحديات بيئية
متزايدة التعقيد والحاجة الملحة لحماية عالمنا الطبيعي والتراث الثقافي البيولوجي
الخاص بنا .إن التآزر بين الذكاء الاصطناعي
والحفاظ على البيئة لديه القدرة على تعزيز قدرتنا على مراقبة النظم البيئية بدقة
وحمايتها، وتخفيف الصراعات بين الإنسان والحياة البرية، وتحسين إدارة الموارد
وتعزيز التعايش المستدام بين الناس والحياة البرية. وفي
هذا السياق، لا يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقدم تكنولوجي، بل هو حافز لتمكين أصحاب
المصلحة في الحفاظ على البيئة (بما في ذلك المجتمعات المحلية) وتعزيز قدرتهم على
حماية التنوع البيولوجي على كوكب الأرض من خطر الإنقراض وسبل عيش الأشخاص الذين
يعتمدون عليه – كل شخص على هذا الكوكب. ولقد كان دمج الذكاء
الاصطناعي في جهود الحفظ عملية تدريجية من خلال جدول زمني للذكاء الاصطناعي في مجال الحفظ
، مع تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، على الرغم من صعوبة تحديد التاريخ الدقيق
للتكامل الأولي، فإليك بعض المعالم والتطورات الرئيسية:
-
في التسعينيات: بدأ تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي في الاستشعارعن بعد وتحليل البيانات للأغراض البيئية والحفظية، بدأ الباحثون في استخدام
خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتصنيف الغطاء الأرضي وتحديد الأنواع من بيانات
الاستشعار عن بعد مثل صور الأقمار الصناعية.
– في أوائل
العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: بدأ دعاة الحفاظ على البيئة في استكشاف
الذكاء الاصطناعي للقيام بمهام مثل تحديد الأنواع باستخدام الرؤية الحاسوبية
وتحليل البيانات الصوتية لمراقبة مجموعات الحياة البرية، وخاصة الطيور والثدييات
البحرية.
– في منتصف
عام 2010: اكتسب تطبيق الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على البيئة زخمًا، تم استخدام
خوارزميات التعلم الآلي بشكل متزايد لتحليل صور مصيدة الكاميرا لتحديد وتتبع
الحياة البرية، بدأت أدوات تحليل البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في
المساعدة في مراقبة الأنواع المهددة بالانقراض ومنع الصيد غير المشروع.
– وفى
أواخر عام 2010 إلى أوائل عام 2020: بدأت الأدوات والمنصات التي تعمل بالذكاء
الاصطناعي والمصممة خصيصًا للحفاظ على البيئة في الظهور، ساعدت هذه الأدوات في
أتمتة عملية جمع البيانات، وتحديد الأنواع، وتحليل البيانات البيئية، بدأت النماذج
التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لاتجاهات التنوع البيولوجي ورسم خرائط
الموائل تحظى بالاهتمام.
-وفى
عام 2024، تزايد دور الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على البيئة، مع تطبيقات في مراقبة
الموائل وحماية الحياة البرية والتنوع البيولوجى وتحليل البيانات والتعرف على
الأنماط .وتعمل الطائرات بدون طيار المجهزة
بالذكاء الاصطناعي وتقنية الاستشعار عن بعد على تعزيز الحفظ الفعال من حيث
التكلفة، كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في اتخاذ قرارات الحفظ
وصياغة السياسات لتسريع الاستجابات للتهديدات الناشئة مثل مراقبة الأمراض المعدية،
على سبيل المثال:-.
– النمذجة التنبؤية وتوزيع الأنواع في البيئة: تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي البيانات الموجودة لتطوير نماذج
تنبؤية تقدر توزيع الأنواع وملاءمة الموائل. وتعتبر هذه المعلومات
ذات قيمة لتحديد المناطق ذات الأولوية العالية للحفظ وتخطيط تدخلات الحفظ. ويساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا على التنبؤ بآثار تغير المناخ على
الأنواع والنظم البيئية، مما يساعد في التخطيط للتكيف .
– مراقبة الحياة البرية وجهود مكافحة الصيد الجائر: تُستخدم التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل أجهزة الاستشعار
لمراقبة الحياة البرية وجهود مكافحة الصيد الجائر. وتعمل الخوارزميات على
تحليل خلاصات الفيديو والصور في الوقت الفعلي لدعم الحد من مخاطر الكوارث القائمة
على النظام البيئي (Eco-DRR)، واكتشاف الحياة البرية وتحديدها، بما في
ذلك الأنواع المهددة بالانقراض، وإصدار تنبيهات بشأن أنشطة الصيد غير المشروع
المحتملة، وهذا يساعد وكالات إنفاذ القانون على الاستجابة بسرعة وفعالية.
– الحمض النووي البيئي (eDNA): يتضمن أخذ عينات الحمض النووي البيئي
جمع وتحليل آثار الحمض النووي الموجودة في العينات البيئية، مثل الماء أو التربة،
للكشف عن وجود الأنواع. ويمكن للتقدم في تقنيات eDNA وتقنيات تحليل الذكاء الاصطناعي تحسين اكتشاف الأنواع، خاصة بالنسبة
للأنواع المراوغة أو الغامضة، يمكن أن يوفر هذا النهج معلومات قيمة لتخطيط الحفظ
ومراقبة التنوع البيولوجي.
– تدخلات استعادة النظام البيئي والحفاظ عليه: يدعم الذكاء الاصطناعي جهود استعادة النظام البيئي من خلال تحليل
البيانات البيئية والتوصية بتقنيات الاستعادة المناسبة. يمكن لخوارزميات الذكاء
الاصطناعي تحسين التدخلات مثل إعادة التشجير، وإدارة الأنواع الغازية، وزيادة
كفاءة وفعالية جهود الحفظ.
– نمذجة تغير المناخ وتخطيط المرونة: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المناخية
والمتغيرات البيئية وتوزيعات الأنواع لنمذجةتأثيرات تغير المناخ على النظم البيئية. ويمكن أن تساعد هذه المعلومات في تطوير استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ، وتحديد
الملاجئ المناخية وتعزيز مرونة النظام البيئي في مواجهة الظروف البيئية المتغيرة.
– الإدارة الذكية للموارد: يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين إدارة
الموارد في مجال الحفظ ، مثل النشر الفعال لحراس المتنزهات، والصيانة التنبؤية
لمعدات الحفظ، والمراقبة الذكية لمشاريع الحفظ. وتعمل الأنظمة التي تعمل
بالذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الروتينية وتحسين كفاءة جمع البيانات وتعزيز
الفعالية الشاملة لعمليات الحفظ .
مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال الحفاظ على البيئة
على الرغم من
هذه الاستخدامات التي لا تعد ولا تحصى للذكاء الاصطناعي في الحفاظ على البيئة، إلا
أن تكامله في علوم ومشاركة المواطنين في مجال الحفاظ على البيئة لا يزال جديدًا
نسبيًا. فهناك حاجة ملحة لمزيد من المهنيين في
مجالات ثقافات الحفظ والاستدامة الحسابية الذين يمتلكون المعرفة المحلية لإقامة
الروابط بين الدلالات والسلوك الاجتماعي وأنماط الحفظ، بالإضافة إلى ذلك، من
المتوقع أن تشهد العديد من المجالات العاجلة ضمن الحفظ تطورات كبيرة، بما في ذلك
التقدم التكنولوجي:
– تخطيط الحفظ ودعم القرار: سيساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين
تخطيط الحفظ من خلال النظر في عوامل مختلفة، مثل الاتصال البيئي، وتجزئة الموائل،
وفعالية المناطق المحمية. وتقترح خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالفعل
المواقع المثالية للمناطق المحمية، وممرات الحياة البرية وجهود استعادة الموائل،
مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة.
– معالجة اللغات الطبيعية والتواصل المدعومة بالذكاء الاصطناعي: سيعزز الذكاء الاصطناعي تحليل وفهم كميات كبيرة من أنواع البيانات
المختلفة مثل الأوراق البحثية والتقارير ومناقشات وسائل التواصل الاجتماعي القائمة
على الحفظ. فمزيد من السماح لدعاة الحفاظ على البيئة
باستخلاص رؤى قيمة واكتشاف القضايا الناشئة وفهم التصورات والمشاعر العامة فيما
يتعلق بموضوعات الحفاظ على البيئة .
– المشاركة العامة والتعليم: سيتم استخدام روبوتات الدردشة
والمساعدين الافتراضيين التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لإشراك الجمهور والإجابة على
الأسئلة المتعلقة بالحفظ. إن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتسهيل
تجارب التعلم التفاعلية، ونشر معلومات دقيقة حول قضايا الحفاظ على البيئة ستؤدي
إلى جمهور أكثر استنارة ومشاركة، مما يؤدي إلى تحرير الموارد لمعالجة الاهتمامات
الملحة الأخرى التي تركز على الإنسان .
وفى الختام: أن
الذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانات هائلة في الحفاظ على البيئة، فمن الضروري مراعاة
الاعتبارات الأخلاقية، مثل خصوصية البيانات، والتحيز، والتعاون بين الإنسان
والذكاء الاصطناعي .فيجب أن يعطي التكامل المسؤول للذكاء
الاصطناعي الأولوية للتعلم الشامل، ومشاركة المجتمع والتكلفة البيئية للذكاء
الاصطناعي، لضمان أن الذكاء الاصطناعي يدعم ويعزز جهود الحفظ مع احترام القيم
الإنسانية والمعايير البيئية والأخلاقية . إذا تم
القيام بذلك بشكل صحيح، فإن رحلة الذكاء الاصطناعي في مجال الحفاظ على البيئة
ستبدأ للتو- وقد يكون تأثيرها تاريخيًا.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان - عضو اللجنة العلمية والإدارية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- المستشار العلمى لحديقة الحيوان بالجيزة-الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم