استهلك المصريون القدماء جميع أنواع اللحوم: الثدييات، والأسماك، والطيور، حيث كانت مصدرًا مهمًا للبروتين، وعلي الرغم من ذلك لم يكن متاحًا دائمًا على قدم المساواة لجميع مستويات المجتمع. في حين كان من السهل الحصول على مصادر لحوم الأسماك والطيور من خلال صيد الأسماك وصيد الطيور والفخاخ .
ولكن كان الحصول على لحوم الثدييات أكثر صعوبة في بعض الأحيان بسبب القيود المفروضة على صيد الحيوانات البرية وتكلفة قتل الماشية. وهكذا، كانت النخبة الثرية تستهلك لحوم الثدييات بشكل متكرر، ولكن كانت الطبقات الاجتماعية الأخرى تستهلكها في الأعياد أو المناسبات الاحتفالية. وبمجرد ذبح اللحوم، يجب استهلاكه على الفور لمنع التلف، أو معالجته وحفظه لاستخدامه لاحقًا.
كانت هناك عدة طرق لحفظ اللحوم متاحة للمصريين القدماء مثل: التجفيف، والتمليح (الجاف والرطب)، والتدخين، والمزيج من أي من هذه الطرق، أو استخدام الدهن، أو البيرة، أو العسل. كانت اللحوم المحفوظة توفر مصدرًا للبروتين في الأوقات العجاف، وهي سلعة يمكن المتاجرة بها، فضلاً عن كونها طعامًا مناسبًا للقيام بجميع أنواع الرحلات الاستكشافية، أو العسكرية، أو التجارية. ويأتي الدليل على الأنواع المختلفة لحفظ اللحوم في مصر القديمة من التمثيلات ثنائية وثلاثية الأبعاد، واللحوم المحنطة والمحفوظة التي تأتي من المقابر، والمصنوعات اليدوية، مثل الجرار الفخارية المميزة باللحوم.
1- التجفيف Drying
التجفيف هو الطريقة الأسهل والأكثر شيوعًا لحفظ اللحوم. يتم قطع قطع اللحم من الذبيحة وتعليقها في الشمس حتى تجف. يمكن الحفاظ على الحيوان بأكمله بهذه الطريقة، على الرغم من أن بعض الثقافات تفضل قطعًا معينة للتجفيف. يعتمد وقت التجفيف على درجة الحرارة وسمك القطع؛ عموما يستغرق ما بين 1 و 3 أسابيع. يمكن أن تستمر اللحوم المجففة لمدة تصل إلى عامين، اعتمادًا على ظروف التخزين. تُظهر المواد الفنية والأثرية دليلاً على ممارسات الحفظ هذه. ويعد دق اللحم قبل تعليقه حتى يجف بمثابة اختلاف في هذه العملية. تدعم بعض التمثيلات الموجودة في المقابر فكرة استخدام مثل هذه الطريقة لحفظ اللحوم في مصر القديمة. يؤدي دق اللحم إلى إخراج السائل الموجود فيه مما قد يسبب تلفه، مما يجعل من الممكن أن يستمر اللحم لفترة أطول. ولمزيد من الحماية، يمكن فرك الملح في اللحم قبل تجفيفه. ويمكن أيضًا تحضير اللحوم المجففة عن طريق غلي قطع صغيرة من اللحم، ثم وضعها في الشمس حتى تجف.
وتميل هذه الطريقة إلى خفض القيمة الغذائية للحوم. ويمكن أيضًا تجفيف الأسماك بشكل فعال جدًا. تُظهر تمثيلات القبر الأسماك التي يتم تنظيفها وفتحها وتجفيفها. تم العثور على أمثلة فعلية على ذلك في دير المدينة، وهناك عدة إشارات إلى الأسماك المجففة الموجودة في الأدب المصري. ربما لم يتم تجفيف الطيور بشكل عام. تشير مجموعة قليلة فقط من الصور إلى أن الدواجن قد تم تجفيفها، لكن هذه الصور غير حاسمة.
2- التمليح Salt
تعتبر المعالجة بالملح وسيلة بسيطة وفعالة لحفظ اللحوم، وكان الملح متاحًا بسهولة في مصر القديمة. كان التمليح الجاف والرطب (المحلول الملحي) ممكنًا في مصر القديمة، ولكن من المرجح أن الطريقة الأولى كانت أكثر شيوعًا. كانت الفكرة الأساسية هي غمر اللحم في الملح أو الماء المملح ثم إغلاقه. الملح لا يسحب السوائل الموجودة في اللحوم والتي يمكن أن تسبب الفساد فحسب، بل يمنع البكتيريا أيضًا. وكان هذا هو نفس المبدأ الذي يحكم التحنيط. كان العلاج بالملح أسرع وأكثر كفاءة من التجفيف البسيط، وكان اللحم المحفوظ بهذه الطريقة يدوم لفترة أطول من اللحوم المجففة. تشير الأدلة الأثرية والفنية إلى أن التمليح الجاف كان الطريقة الأكثر شيوعًا لحفظ اللحوم التي استخدمها المصريون القدماء. تم تجفيف اللحوم والأسماك والدواجن وتمليحها.
ويدعم الفحص المجهري الإلكتروني الذي يتم إجراؤه على عينات اللحوم المحفوظة الموجودة في المقابر هذه النظرية. يعد تجفيف الأسماك وتمليحها الطريقة الأكثر شيوعًا للحفاظ على الأسماك، وقد تم استخراج أمثلة فعلية لها من مقبرة خا، وتظهر الإشارات إلى الأسماك المملحة في النصوص، ولا سيما في حكاية ون آمون. لا يزال السمك المملح عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي المصري الحديث، خاصة بالنسبة للفلاحين. كان بطارخ البوري، وهو أقدم أنواع الكافيار، يُحفظ أيضًا في الملح ولا يزال يُحفظ بهذه الطريقة حتى اليوم. كما تم تمليح الطيور، وتم العثور على أمثلة منها في مقبرة خا.
3- التدخين Smoking
ورغم أن تدخين اللحوم من أجل الحفاظ عليها كان ممكنا من الناحية النظرية، إلا أنه من غير المرجح أن تكون هذه الطريقة قد استخدمت في مصر القديمة. وكان السبب الرئيسي لعدم استخدامه هو الندرة النسبية للخشب، وخاصة الخشب من أي طبيعة عطرية.4- الدهن Fat
تستخدم الدهون الحيوانية عادة لحفظ اللحوم. كان من الممكن استخدام دهن الأوز أو لحم الضأن أو البقر لهذا الغرض. يُقطع اللحم ثم يُطهى مع الدهن والملح ثم يوضع في وعاء. بمجرد أن يبرد كان من الممكن أن يكون مغلقًا. ولا تزال هذه الطريقة، التي تسمى "لحمة محفوظ"، مستخدمة في مصر اليوم.5- العسل Honey
ربما تم استخدام العسل لحفظ الطعام في مصر القديمة. من المؤكد أن العسل له خصائص حافظة. في الواقع، يُزعم أن جسد الإسكندر الأكبر كان محفوظًا في العسل. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يكون هذا قد تم استخدامه، حيث كان العسل سلعة ثمينة وعامل التحلية الوحيد المتاح للمصريين.وهكذا، على الرغم من توفر مجموعة كبيرة ومتنوعة من التقنيات للمصريين القدماء، فمن الواضح أن تجفيف اللحوم وتمليحها كانا الأكثر استخدامًا.
الدكتور احمد جلال عميد زراعة جامعة شمس السابق