شم النسيم هو عيد مصري قديم يعود تاريخه إلى حوالي 2700 سنة قبل الميلاد مما يعني أن عمره يتجاوز 4700 عام، وكان هذا العيد يرمز إلى بداية الحياة، حيث يعتبر الربيع انطلاقة جديدة عند تفتح الزهور وظهور الزروع.
احتفل المصريون القدامى بشم النسيم بالطريقة التي لا تزال متبعة حتى اليوم حيث ارتبط بعادات غذائية موروثة، منها تناول الأسماك المملحة كالفسيخ والسردين، والأسماك المدخنة مثل الرنجة، بالإضافة إلى الخضروات كالخس والبصل والملانة (الحمص الأخضر) وبعض البقوليات مثل الترمس والحمص.
و لكل من هذه الأغذية رمز محدد عند المصري القديم؛ فالبيض مثلًا يرمز إلى ظهور الحياة مع خروج الكتكوت من الجماد، بينما يعبر الفسيخ أو الأسماك المملحة بشكل عام عن حب المصري القديم للنيل، حيث تأتي الأسماك منه واعتُبر البصل ايضا رمزًا للحياة وعلقه المصريون على جدران منازلهم، والخس المعروف باسم "عيب" بالهيروغليفية اعتُبر من النباتات المقدسة وكان معروفًا منذ الأسرة الرابعة.
وباستعراض المأكولات المتناولة في هذا اليوم نجد ان:
البيض:
البيض يُعتبر من الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية، حيث يحتوي على نسبة مرتفعة من البروتين تصل إلى 12.8% في البيضة الكاملة. ويحتوي الصفار على 16.3% من البروتين، بينما يحتوي البياض على 10.8%.
كما يتضمن البيض جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الجسم، والتي لا يمكنه تصنيعها بنفسه. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي البيض على الدهون والفيتامينات، خاصة فيتامين (أ) و(د) و(ب12) في الصفار، والريبو فلافين (ب2) في البياض، كما يحتوي البيض على معادن هامة مثل الحديد والفسفور والكالسيوم. يُعتبر البيض طعامًا لذيذًا وسهل الهضم ومتوافر دائمًا .

الفسيخ والرنجة والسردين:
يُصنع الفسيخ عادةً من سمك البوري، وعلى الرغم من أن العديد من غير المصريين يعتبرون الفسيخ سمكًا متعفنًا ولا يمتلك مواصفات قياسية، إلا أن تناوله في شم النسيم يُعد من العادات الغذائية المتوارثة عبر الأجيال لدى الكثير من المصريين. لذلك، يُنصح بشرائه من مصدر موثوق. يُعتبر الفسيخ والرنجة وأسماك الفسيخ من الأسماك المملحة التي تُملح دون إفراغ أمعائها، حيث يكون عرضة لنمو بعض انواع البكتيريا النافعة التي تخمر الطعام، بالإضافة إلى خطر نمو البكتيريا الضارة مثل كلوستريديوم بوتولينوم، التي تنتج سموما مما قد يؤدي إلى أعراض خطيرة مثل زغللة في العين ورعشة وضيق في التنفس، وقد تصل الحالة إلى الوفاة.
السردين يحتوي على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير المشبعة، والمعروفة باسم أوميجا-3، مما يجعله مصدرًا غنيًا لها. تعتبر هذه الأحماض مفيدة في الوقاية من أمراض القلب، كما أنها تحمي من الالتهابات وتساهم في خفض مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية. السردين يعد أيضًا من أفضل المصادر للكالسيوم وفيتامين د، وبالتالي يساهم في تعزيز قوة العظام. ورغم فوائده، يمكن أن يؤدي السردين الملوث أو غير المطابق للمواصفات إلى ارتفاع ضغط الدم، وفي بعض الحالات إلى التسمم الغذائي.
أما الرنجة، فهي تعتبر بديلاً صحيًا وآمنًا للأسماك المملحة و تعتمد طريقة تصنيعها وحفظها على التدخين، ويتم إعدادها للأكل بالتسخين، مما قد يقضي على الميكروبات والطفيليات والبكتيريا.وعندد شراء الرنجة لونها يجب أن يكون ذهبيًا فاتحًا وغير مصبوغ، وتتمتع بالقوام المتماسك مع خلوها من التهتك أو إصابات الطفيليات. يفضل أن يتم شراء الرنجة مغلفة، مع ضمان وجود تاريخ الإنتاج والصلاحية على الغلاف.

الخضروات :
يجب تناول الخضروات مثل الخس والخيار والبصل الأخضر والجرجير مع تناول الأسماك المملحة وذلك لغني محتواها من الفيتامينات والمعادن والالياف ومضادات الاكسدة بالإضافة الي محتواها المرتفع من الماء ، حيث يمكن موازنة كمية الصوديوم العالية الموجودة في الملح بثلاثة معادن مهمة للغاية: البوتاسيوم، الكالسيوم، والمغنيسيوم. وينصح بشرب الكثير من الماء للتحكم في مستويات الصوديوم كما ان تناول البصل الأخضر والليمون يعمل على تطهير المعدة كما يحتوى على المواد المضادة للأكسدة فهم ابطال المائدة في هذا اليوم حيث ان البصل والليمون مدرات للبول وغنية بالبوتاسيوم المفيد للقلب ويعملان على تنظيم ضغط الدم والسكر وتحسين الدورة الدموية والحفاظ على الأوعية الدموية .

الترمس:
تناول الترمس خلال شم النسيم، يعمل على تحسين معدلات الأنسولين في الجسم وكذلك يحافظ على وظيفة جهاز المناعة، فمحتواه العالي من الألياف يجعل منه مادة حيوية تتغذى عليها البكتيريا النافعة التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا مع حالة الجهاز المناعي بالاضافة انه يحتوي علي الزنك ويحتوي على كمية كبيرة من الثيامين اللازم لعملية التمثيل الغذائي للدهون والكربوهيدرات كما يساعد أيضًا في الحفاظ على وظيفة الجهاز العصبي وغيرها من الفوائد العظيمة.

الملانة:
الملانة هي الحمص الأخضر الذي يكثر استخدامه خلال أعياد شم النسيم في مصر. يحتوي هذا النوع من الحمص على فيتامينات مثل Aو B-6، وكذلك حمض الفوليك، والثيامين، والنياسين وسكريات ومعادن مثل كالفوسفور والمغنيسيوم والحديد، كما أنه يحتوي على كميات صغيرة من البوتاسيوم والكالسيوم والزنك.، لكن يُفضل تناوله باعتدال نظرًا لصعوبة هضمه.
يمكن تناول حبوب الملانة نيئة، مطبوخة أو مسلوقة. ويُعرف النوع الجاف من هذا النبات في مصر باسم "حمص الشام"، ويشتهر استخدامه خلال فصل الشتاء حيث تُطهى الحبوب المجففة بعد نقعها في الماء وغليها مع البهارات، ونظرا لاحتوائها علي المغنسيوم فانها مفيدة لمرضي الضغط وارتفاع سكر الدم.
وهناك العديد من النصائح التي يفضل اتباعها، للحفاظ على الصحة وتجنب حدوث أي ضرر خلال هذا اليوم :
• شرب الماء بكثرة، فيجب شرب ما لا يقل عن ثلاثة لترمن الماء بعد تناول المأكولات الغنية بالصوديوم والمتمثلة في السردين والرنجة، والفسيخ. حيث إن الماء يحسن عملية التخلص من الأملاح ويساعد في عملية هضم البروتين، وإزالة السموم من الجسم، • تناول الفسيخ والرنجة في وجبة الإفطار او الغذاء وعم تناولها في وجبة العشاء حتي يكون هناك الوقت الكافي لشرب السوائل والتخلص من الاملاح باقي اليوم مع كميات كبيرة من الخضروات الطازجة إلى جانبها، مثل البصل والجرجير والخس والملفوف والخيار والفاصوليا الخضراء لكونها غنية بمضادات الأكسدة، وبالألياف الغذائية، التي تحسن الهضم.
• يحذر مرضي ضغط الدم المرتفع والحوامل ومرضى الفشل الكلوي والقلب والأورام من تناول الفسيخ لأن الفسيخ يمكن أن يسبب تخزين المياه في الجسم ورفع الضغط وتسمم الحمل ويمكن استبدال الفسيخ بالرنجة لأنها أقل ضررا حيث يوجد بها عناصر معدنية وفيتامينات مثل أ وب المركب ود والحديد والكالسيوم والفوسفور والزنك والماغنسيوم واوميجا 3.
• لتجنب الأضرار الناجمة عن تناول الأسماك المملحة، ينصح بشرائها من أماكن موثوقة تخضع للرقابة الصحية. يجب أن تكون الأسماك طازجة ومتماسكة وغير منتفخة، وأن تكون قشورها طبيعية وليست داكنة، بالإضافة إلى عيون براقة وخياشيم ذات لون أحمر ورائحة عادية. كما ينبغي أن تكون محفوظة في ملح مطابق للمواصفات القياسية داخل براميل خشبية خاصة، وذلك لتفادي التسمم الغذائي وارتفاع ضغط الدم.
• ينبغي إضافة كمية مناسبة من الخل نظرًا لتأثيره الحمضي الذي يقضي على العديد من البكتيريا التي قد تسبب ضررًا أو تسممًا، مثل البكتيريا المسببة للتسمم Clostridium botulism -Salmonella - E.coliوغيرها.
• عند تلوين البيض يفضل استخدام الألوان الطبيعية مثل البنجر وعدم استخدام الألوان الصناعية.
• يفضل شرب عصير الليمون مرة او مرتين في هذا اليوم ولا يكتفي بإضافته علي السمك فقط.
• المرضي الممنوعين من الأسماك المملحة مثل مرضي التهابات المعدة والقلب والكلي وارتفاع ضغط الدم والحوامل يفضل لهم استبدال الأسماك المملحة بأطباق الأسماك العادية بمختلف أنواعها وتقديمها بطريق جذابة سواء مشوي او مقلي او طواجن.
• ممارسة الرياضة في هذا اليوم من الأمور الجميلة والهامة وقد تكون بالخروج والمشي في الحدائق ومع الاسرة يساعد علي تحسين عملية الهضم ويروح عن النفس.
• فور ظهور أي اعراض (أعراض التسمم)الناتج عن تناول الأسماك المملحة زغللة العين، ازدواجية الرؤية، ارتخاء الجفون، جفاف الحلق والحنجرة، يليها صعوبة في النطق والبلع، الإحساس بالدوار، وضعف العضلات. من الضروري التوجه الفوري لأقرب مستشفى.
الدكتورة: داليا محمد عبدالله حسن
باحث بقسم الأغذية الخاصة والتغذية
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية