تشهد زراعة البنجر تطورًا ملحوظًا يتجاوز الطرق التقليدية لغرس البذور. ففي الزراعة التجارية الحديثة، تُستخدم تقنيات متقدمة مثل آلات البذر الدقيقة لضمان التوزيع الأمثل للنباتات، وأنظمة الري بالتنقيط لتوفير المياه بكفاءة عالية. كما أصبحت مكافحة الآفات أكثر دقة وتوجيهًا بفضل النماذج التنبؤية والمراقبة عن بُعد. وحتى عملية الحصاد نفسها تعتمد الآن على تحليل بيانات نظم المعلومات الجغرافية واستخدام الآلات الزراعية المتطورة، مما يعكس سعي المزارعين لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. وفي ظل تزايد الطلب العالمي على جودة أعلى، لم يعد إتقان هذه التقنيات رفاهية بل ضرورة للحفاظ على القدرة التنافسية في السوق.
تتنوع أصناف البنجر المستخدمة في الزراعة التجارية، بدءًا من الأصناف الحمراء الكلاسيكية وصولًا إلى الأصناف التراثية الفريدة، ولكل منها خصائص نمو واستخدامات مختلفة. تشمل الأصناف الشائعة بنجر ديترويت الأحمر الداكن متعدد الاستخدامات، وبنجر كيوجيا المخطط ذو النكهة المميزة، والبنجر الذهبي الذي ينتج جذورًا وخضراوات صالحة للأكل، وبنجر دم الثور ذو القيمة العالية لجذوره وأوراقه، وبنجر أسيلندرا ذو الشكل الطويل المناسب للمعالجة، وأخيرًا بنجر السكر الذي يُزرع لإنتاج السكر. ويُعد فهم الظروف البيئية المثالية لكل صنف أمرًا حيويًا لزيادة إنتاجية المحصول.
يُعرف البنجر بقدرته على التكيف مع ظروف النمو المتنوعة، إلا أنه يزدهر في المناخات المعتدلة ذات فصول النمو الطويلة والباردة. وتُعتبر التربة الخصبة جيدة التهوية والغنية بالمواد العضوية أساسًا لنمو جذور قوية. أما بالنسبة لمتطلبات درجة الحرارة والشمس، فيفضل البنجر درجات حرارة تتراوح بين 10 و 24 درجة مئوية ويحتاج إلى ست ساعات على الأقل من ضوء الشمس يوميًا. كما يفضل التربة ذات درجة حموضة بين 6.0 و 7.0، مع ضرورة أن تكون التربة رخوة وجيدة التصريف لتجنب تشوه الجذور.
لتحقيق النجاح في زراعة البنجر تجاريًا، يجب الاهتمام بتوقيت الزراعة وتقنياتها. يُفضل زراعة البنجر في أوائل الربيع وأواخر الصيف عندما تكون درجة حرارة التربة بين 10 و 29 درجة مئوية. وتُعد زراعة البذور مباشرة في الحقول الطريقة المثلى، مع الحرص على زراعتها بعمق حوالي 1.2 سم وترك مسافة تتراوح بين 2.5 و 5 سم بين البذور في صفوف تبعد عن بعضها البعض حوالي 30 إلى 46 سم.
تتطلب رعاية محاصيل البنجر إدارة دقيقة لاحتياجاتها الغذائية والبيئية. يستفيد البنجر من التسميد المتوازن خلال مراحل النمو المختلفة، مع التركيز على عنصر البورون. كما أن تناوب المحاصيل ضروري للحد من انتشار الأمراض والآفات. وعادةً ما يستغرق نمو البنجر من البذرة إلى الحصاد ما بين 50 و 70 يومًا، حسب الصنف وظروف النمو. ويُفضل حصاد البنجر عندما يتراوح قطر جذوره بين 4 و 8 سم، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الجوية التي قد تؤثر على جودة المحصول.