يعد ملف الأمن الغذائي أحد الملفات الحيوية التي تحظى باهتمام كبير على مستوى العالم ، وتمثل الزراعة أحد أهم ركائز الاكتفاء الغذائي، وفى هذا الإطار طرحت دولة الإمارات مجموعة من المبادرات تشجيع مبادرات الزراعة المنزلية بوصفها مبادرات مجتمعية تحقق الاستدامة وتسرع تحقيق الاكتفاء الغذائي.
وتسهم زراعة حديقة المنزل أو تحويل المساحات المتاحة في المباني إلى وحدات إنتاجية صغيرة في تعزيز مفهوم الاستدامة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، ودعم منظومة تحقيق الاستدامة على نطاق واسع في المجتمع.
وتلبي هذه المبادرات المجتمعية الهادفة إلى تعزيز الزراعة المنزلية الأهداف المنشودة لمحور "الأثر" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي ، حسبما ذكرت "وام ".
وتهدف الحملة إلى نشر السلوكيات الإيجابية نحو البيئة وتعزيز الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، في حين يستعرض محور "الأثر" النتائج والتأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة الإماراتية على مختلف المجالات.
قوانين داعمة
ورسخت دولة الإمارات أسس الاهتمام بالزراعة المحلية من خلال قوانين وتشريعات ناظمة وداعمة لها، كما حرصت على إنشاء جهات حكومية تعنى بالزراعة وحماية الطبيعة، وعززت هذه الجهود بإطلاق الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، كما شكلت مجلس الإمارات للأمن الغذائي، لتحقيق التعاون بين جميع الجهات المجتمعية والحكومية لضمان سرعة الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتقليص الفجوة الغذائية والحفاظ على التربة وتحقيق الاستخدام الأمثل للمياه وخاصة الجوفية منها
الزراعة المجتمعية
أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في يوليو 2018، بشأن الزراعة المجتمعية، ليقدم إطاراً ناظماً لشؤون الزراعة المجتمعية والمنزلية، حيث تضمن الدعوة إلى استغلال المساحات السكنية وأسطح المباني والمؤسسات التعليمية لتطوير وتوسيع النشاط الزراعي والاستفادة من آثار ذلك لخدمة المجتمع وتثقيفه مع تعزيز الفوائد البيئية وزيادة الرقعة الخضراء.
وركز القرار على دور وزارة التغير المناخي والبيئة في تشجيع الزراعة ومواسم الزراعة المجتمعية وخصائص نباتات الزراعة المجتمعية وزراعة مساحات المؤسسات التعليمية والمساحات داخل المنازل والمجمعات السكنية والمباني الحكومية وترشيد الري في الزراعة المجتمعية، وتوفير البذور، والتسويق، والرقابة.
وأجرى المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، بالشراكة مع وزارة التغير المناخي والبيئة وبالتعاون مع المراكز الإحصائية الوطنية ومؤسسات داعمة من القطاع الخاص، الأعمال الميدانية لمسح الزراعة المنزلية لرصد مدى قيام سكان الدولة بالزراعة المنزلية للأغراض الغذائية وقياس مدى انتشار ممارستها والتعرف على التحديات وأساليب الري المتبعة ونوعية المحاصيل المزروعة وكميتها لدراستها وتحليل النتائج من خلال استخدام أساليب بحث علمية ومنهجيات معتمدة عالمياً لتوفير بيانات ذات دقة عالية تكون رافداً لعملية تعزيز ممارسات الاستدامة في الدولة.
توعية مستمرة
وتحافظ الجهات المعنية في دولة الإمارات على تنظيم المبادرات الداعمة للزراعة المنزلية عن طريق استمرار حملات التوعية وورش العمل التي ترتقي بأداء المزارعين، فقد أنشأت وزارة التغير المناخي والبيئة حديقة إرشادية متخصصة في الوزارة لأكثر من 80 نباتاً محلياً، إضافة إلى إعداد برامج توعوية وتدريبية لعدد من طلبة المدارس وتقييم مشاريع الزراعة المجتمعية التي أقامتها المدارس وتوفير الدعم الفني في حال الحاجة، كما شكّلت فريق عمل لدعم مبادرة تعزيز استدامة المزارع الوطنية، والتي تهدف إلى زيادة نسب مشتريات كبرى الجهات المشاركة في المبادرة لتصل إلى 50% من مجموع مشترياتها من المنتجات الغذائية من مصادر محلية بحلول نهاية 2023، و70% منها بحلول نهاية 2025، وصولاً لنسبة 100% بحلول عام 2030.
وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة الدليل الارشادي لإنشاء الحديقة المنزلية وزراعة الأسطح، والذي يتضمن أهمية الحديقة المنزلية، والتخطيط لإنشاء الحديقة المنزلية، وخطوات تصميم وإنشاء الحديقة والنقاط الواجب مراعاتها، وتحديد معالم خريطة الموقع المراد زراعته، والاحتياجات البيئية لنباتات الحديقة المنزلية، كما حدد الدليل أصناف الأشجار والخضروات الممكن زراعتها في الحديقة المنزلية والنباتات الطبية والعطرية ونباتات الزينة الداخلية وشبه الخارجية، بالإضافة إلى إطلاق عدد من الأدلة الإرشادية الزراعية على موقع بوابة مزرعتي المستدامة.
وضمن المشروع الوطني للسياحة البيئية "كنوز الطبيعة في الإمارات"، أطلقت الوزارة محور السياحة الزراعية في 2019 وذلك ضمن جهودها لإبراز المواقع السياحية والترويج للسياحة ضمن القطاعات البيئية في الإمارات، إذ تعتمد السياحة الزراعية على ما تتمتع به دولة الإمارات من مساحة زراعية مزدهرة ومتطورة، ومزارع خاصة تضم أشكالاً مختلفة ومتنوعة من النباتات والأنواع الحيوانية.
وتهدف مبادرة السياحة الزراعية إلى تعزيز مكانة الدولة على خارطة السياحة البيئية العالمية ورفع الوعي بالممارسات الزراعية في الدولة وجودة الغذاء المحلي وربط الجمهور مع الطبيعة وتعزيز تبني الممارسات المجتمعية للزراعة المستدامة، وتمكين وتشجيع المزارعين من تطوير نشاطاتهم الزراعية لتوفير دخل مالي إضافي، وإعادة زراعة بعض النباتات وإحياء الممارسات الزراعية المستدامة في المجتمع وربطها بتوفير الاحتياجات الاستهلاكية والغذائية للأفراد، وإتاحة فرص للتعلم والتدريب في الزراعة، وتعزيز الأنشطة الترفيهية المرتبطة.
ويعتبر تعزيز السياحة الزراعية ودعمها أولوية لدى قطاع التنوع الغذائي، فهي من المبادرات التي تعزز الإنتاج الزراعي المحلي وتدعم الاكتفاء الذاتي في الدولة مما يحقق الاستثمار الأمثل في مستقبل الدولة الغذائي ويحقق أمن وسلامة الغذاء.
حلول ذكية
واحتضنت دولة الإمارات مبادرات رائدة في ميدان الزراعة المنزلية تمكنت من الاستفادة من أفضل الحلول الذكية لدعم المشاريع الزراعية المجتمعية، ومن أبرزها معرض حلول الزراعة المنزلية المستدامة "بستاني" ، الذي احتضنته "الفيلا المستدامة" في مدينة مصدر، والتي تعد مشروعاً نموذجياً يضم تقنيات متطورة تساعد في تعزيز الكفاءة في استهلاك المياه والطاقة.
واستعرض معرض "بستاني" أكثر من 15 حلاً مبتكراً من حلول الزراعة المنزلية التي تتمحور حول إنتاج الغذاء والمياه وإعادة تدوير النفايات، وقدمت تقنية مبتكرة حول زراعة الورقيات داخل المنزل بدون استخدام كيماويات ومواد حافظة بالاعتماد على أساليب ري متطورة، وكذلك تزويد مزارع الدواجن بتقنيات حديثة وشريحة ذكية في كل دجاجة تعطي مؤشرات دقيقة لصاحب المنزل عن دورة إنتاجها اليومية، فضلاً عن عرض حلول زراعة ذكية ومبتكرة تم استقطابها من جميع أنحاء العالم.
ويعمل مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار وبشراكات استراتيجية مع مؤسسات بحث عالمية على تطوير طرق مبتكرة للإنتاج الزراعي وتحلية المياه من خلال الطاقة الشمسية وذلك من خلال تطوير منظومة متكاملة من حلول الاستدامة في الموارد الطبيعية.
ومن شأن هذه الحلول المبتكرة التشجيع على اللجوء إلى حلول الزراعة المنزلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ما يخفف العبء الواقع على الشركات المنتجة والموردة للمنتجات الغذائية، كما تحول الزراعة المنزلية الذكية المستهلك إلى "مستهلك- منتج" ، وهو ما من شأنه، في حال تطبيقه على نطاق واسع أن يقود إلى اعتماد توجه جديد لضمان أمن الغذاء على مستوى دولة الإمارات.
وتحقق الزراعة المنزلية العديد من الفوائد للأسرة أهمها الاكتفاء الذاتي من الثمار سواء من الخضراوات أو الفاكهة، كما تسهم في جعل الأفراد غير العاملين أكثر إنتاجية وتأثيراً في حياة أسرهم من خلال متابعة تطوير وتحسين الحديقة المنزلية وما تجود به من خيرات.
منتجات عضوية
وأطلق الاتحاد النسائي العام مبادرة "زراعتي اكتفائي " بدعم ورعاية الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات " رئيسة الاتحاد النسائي العام بهدف تشجيع المرأة على الزراعة المنزلية عبر استغلال المساحات الخضراء في إنتاج منتجات غذائية عضوية صحية تثري مائدة الأسرة، فضلاً عن تعزيز دورها الحيوي في الحفاظ على استدامة البيئة.
وأصدرت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية دليلاً إرشادياً للزراعة المجتمعية في الحدائق المنزلية والمؤسسات التعليمية وأسطح البنايات للاستفادة منها في زراعة الأشجار المثمرة والخضراوات، حيث تضمّن إرشادات وافية لعملية الزراعة بدءاً من اختيار المكان المناسب في الحديقة وانتهاءً بعمليات خدمة النبات والممارسات الصحيحة لعمليات الحصاد والعناية بالمنتج، وأساليب الزراعة فوق أسطح المنازل والبنايات، وإرشادات بشأن اختيار الوسط الزراعي الأنسب، وإرشادات تفصيلية لعمليات الري والاحتياجات المائية لنمو أشجار الفاكهة والخضروات من بداية الزراعة وحتى الحصاد، وطرق الوقاية ومكافحة الآفات التي تصيب النبات، وأخيراً إرشاداً لعمليات الحصاد وما بعد الحصاد.
كما وزّع جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية مجموعات متنوعة من أصناف الفاكهة المعتمدة والناجحة من إنتاج محطات الأبحاث الزراعية التابعة للجهاز على عدد من المشاركين في مسابقة الحدائق المنزلية وبالتعاون مع بلدية مدينة أبوظبي، بهدف تشجيع تبني هذه الأصناف وتعزيز مفهوم الحدائق المنزلية المنتجة، وذلك ضمن إستراتيجية الجهاز الرامية لتحقيق الأمن الغذائي والمحافظة على استدامة الزراعة.