أكد الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن فكرة "تطوير الذات" والعمل على النفس ليست مجرد مفهوم عصري طارئ، بل هي قيمة أصيلة مغروسة في السيرة النبوية، موضحًا أن الإسلام لا يقف على الحياد من الدعوة للعمل والاجتهاد والتأهيل المستمر.
وقال الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، إن النبي ﷺ قدّم نموذجًا واقعيًا للتطوير الذاتي في حياته وسيرته، حيث مارس التجارة، وخالط الناس، وأسّس مجتمعًا جديدًا، فكانت حياته نموذجًا متكاملًا يشمل السياسة، والاقتصاد، والعلاقات الاجتماعية، والعمل والبناء، مما يحتم علينا أن نعيد قراءة سيرته قراءة عصرية تلامس واقعنا.
وأضاف: "ليس من الصواب أن نخضع الدين لكل ما يُطرح من مفاهيم عصرية بشكل مباشر، حتى لا نقع في التباسات فكرية أو نلبس الأهواء لبوس الدين، لكن في الوقت نفسه يجب ألا نغفل أن في السيرة النبوية إشارات واضحة على مفاهيم مثل احترام التخصص، وتقسيم الأدوار، والجدية في العمل".
وأشار الدكتور الهواري إلى واقعة بناء المسجد النبوي بعد الهجرة، باعتبارها أحد أبرز النماذج التي تكشف عن تنظيم العمل واحترام الكفاءات، قائلًا: "في مشهد بناء المسجد، كان الصحابة يعملون بجد واجتهاد، كل منهم يقدّم ما يحسنه، أحد الصحابة، طُلق بن علي اليمامي، عرض على النبي أن يشارك في حمل الحجارة مثل غيره، لكن النبي ﷺ رفض، ووجّهه إلى العمل بما يتقنه، قائلًا: (قرّبوا الطين من اليمامي، فإنه أحسنكم له مسيسًا)."
وأوضح الهواري أن هذا التوجيه النبوي يعكس احترام التخصص، وتوزيع المهام على أسس عملية، وهو ما تحتاجه المجتمعات اليوم لتنهض، خاصة مع التحديات المعاصرة التي تستلزم أن يكون كل إنسان في مكانه المناسب.
كما ضرب مثالًا آخر بما وقع بين رجل ثقفي وآخر أنصاري حين تنافسا على الوصول للنبي أولًا، فقال له النبي ﷺ: "سبقك الأنصاري"، فبادر الرجل الثقفي قائلاً: "لكني أؤثره على نفسي يا رسول الله".
وقال الهواري: "هنا نرى موقفين في غاية الجمال: الأول هو احترام الدور، والثاني هو خلق الإيثار، وكلاهما من الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي رسّخها النبي ﷺ في مجتمعه".
وتابع: "نحن بحاجة ماسّة إلى أن ننقل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من بطون الكتب إلى حياتنا اليومية، أن نقرأها بعين الواقع واحتياجات العصر، لنستخلص منها القيم العملية التي تنهض بالفرد والمجتمع، فالإسلام دين لا يعارض الاجتهاد والعمل، بل يدعمهما ويكرّس لهما مسارات واضحة".