أ
أ
رغم أن الأشجار قد تكون طويلة وقوية، إلا أنها تتجنب الاقتراب من بعضها البعض في ظاهرة غريبة تُعرف بـ "خجل التاج"، حيث تبعد أوراق الشجرة عن أوراق الأشجار الأخرى، وينتج عن هذه الظاهرة تكوّن مظلات أشجار رائعة تكاد تلامس بعضها، لكن ما السبب وراء هذه الظاهرة؟
ما هي ظاهرة "خجل التاج"؟
في أثناء قضاءه وقتًا في متنزه جواناكاستي الوطني بكوستاريكا، كان عالم الأحياء فرانسيس جاك بوتز يسترخي تحت أشجار المانجروف السوداء بعد ساعات من العمل الميداني، بينما كان يستعد لقيلولة، لاحظ حركة الرياح التي دفعت قمم الأشجار إلى التحرك فوقه، مما أدى إلى احتكاك أغصان الأشجار ببعضها وكسر بعض أوراقها وأغصانها. ومع ذلك، لاحظ أن هذا التلامس المتبادل بين الأشجار قد ترك فراغات بين المظلات، وهو ما لفت انتباهه إلى ظاهرة غريبة تعرف بـ "خجل التاج".
تم توثيق ظاهرة «خجل التاج» في مختلف الغابات حول العالم، حيث تظهر شقوق بين قمم الأشجار من المانجروف في كوستاريكا إلى أشجار الكافور الضخمة في بورنيو بماليزيا، رغم انتشار هذه الظاهرة في العديد من الأماكن، إلا أن العلماء لا يزالون غير قادرين على فهم السبب الدقيق لرفض قمم الأشجار التلامس في الكثير من الأحيان، وفقًا لما ذكره موقع "ناشيونال جيوغرافيك".
النسخة الشجرية من التباعد الاجتماعي
توضح ميج لومان، عالمة الأحياء المتخصصة في أشجار الغابات ومديرة مؤسسة TREE Foundation، أن «خجل التاج» يمثل، من نواحٍ عديدة، النسخة الشجرية من التباعد الاجتماعي، وأضافت: "عندما تمنع النباتات من ملامسة بعضها البعض جسديًا، فإن ذلك يعزز الإنتاجية. هذا هو جمال العزلة، حيث تحمي الشجرة صحتها فعليًا."على الرغم من أن أوصاف ظاهرة "خجل التاج" ظهرت في الأدبيات العلمية منذ عشرينيات القرن العشرين، إلا أنه مر وقت طويل قبل أن يبدأ الباحثون في دراسة السبب وراء هذه الظاهرة بشكل منهجي، في البداية، افترض بعض العلماء أن الأشجار قد كانت ببساطة تفشل في ملء الفراغات بين مظلاتها نتيجة لنقص الضوء، الذي يعد عنصرًا أساسيًا لعملية التمثيل الضوئي، حيث تتداخل الأوراق مع بعضها.
في عام 1984، نشر فريق «بوتز» دراسة أظهرت أن ظاهرة "خجل التاج" قد تكون ببساطة نتيجة لصراع بين الأشجار بفعل الرياح. حيث تتسابق الأشجار لإنتاج فروع جديدة لحماية نفسها من ضربات الأشجار المجاورة، وكلما زادت حركة أشجار المانجروف بفعل الرياح، زادت المسافة بين مظلاتها ومظلات جيرانها، هذه النتائج كانت من أولى الدلائل التي تدعم ما يُسمى "فرضية التآكل"، التي تفسر الأنماط التي تظهر على قمم الأشجار.
قياس القوى المندفعة بين أشجار الصنوبر
بعد حوالي عقدين من الزمن، قام فريق بقيادة مارك رودينكي، عالم الأحياء بجامعة ميشيغان للتكنولوجيا، بقياس القوى المؤثرة بين أشجار الصنوبر في ألبرتا بكندا. وقد اكتشفوا أن الغابات العاصفة المليئة بالأشجار الطويلة والنحيلة ذات الارتفاعات المتشابهة كانت عرضة بشكل خاص لظاهرة "خجل التاج"، وعندما استخدم رودينكي وفريقه حبالًا من النايلون لمنع الأشجار المجاورة من الاصطدام ببعضها، تبين أن الأشجار تشابكت مظلاتها، مما أدى إلى ملء الفجوات بين القمم.ووجد علماء آخرون دلائل تشير إلى أن هناك عدة طرق تؤدي إلى حدوث "خجل التاج"، وربما بعضها أقل عنفًا من الصراعات الناتجة عن الرياح العاتية.
على سبيل المثال، يوضح رودينكي أن بعض الأشجار قد تكون تعلمت التوقف عن النمو في أطرافها تمامًا بعد أن أدركت أن أي أوراق جديدة ستتعرض للإزالة بسبب الاصطدام.
فوائد ظاهرة خجل التاج
وتوضح إينيس إيبانيز، عالمة البيئة الحرجية بجامعة ميشيغان، أن الأشجار تتجنب من خلال ظاهرة "خجل التاج" الأضرار غير الضرورية. وتقول إن "زراعة أنسجة جديدة هي عملية مكلفة للغاية بالنسبة للنباتات، وهذا يشبه اتخاذ الأشجار لخطوة استباقية لحماية نفسها".وبغض النظر عن كيفية حدوث هذه الظاهرة، يشير الباحث لومان إلى أن الانفصال بين الأشجار يترتب عليه فوائد، ويضيف: "الأوراق تُعتبر الماس الأغلى في الشجرة، لذا من المهم حمايتها بكل وسيلة، إذا تم فقدان مجموعة من الأوراق، فإن ذلك يشكل كارثة كبيرة للشجرة".
من بين فوائد ظاهرة "خجل التاج" أيضًا، أن الفجوات التي تتركها الأوراق المتناثرة قد تسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى أرضيات الغابات، مما يغذي النباتات والحيوانات التي تعيش في الأسفل، وهو ما يعزز بدوره الحياة الشجرية، يعتقد بوتز أن هذه الفجوات قد تساهم أيضًا في حماية الأشجار من الكروم الخشبية الغازية، المعروفة بالليانا، التي تنتشر في الغابات الاستوائية والمعتدلة حول العالم. كما تساعد هذه الفجوات في حماية النباتات من الميكروبات المسببة للأمراض والحشرات التي لا تستطيع الطيران، والتي تعتمد على مظلات الأشجار كمسارات.
