تغذية طائر الفلامنجو والتحول اللوني الساحر الذي يطرأ عليه واحد من أروع الظواهر الطبيعية التي لا تزال تثير فضول العلماء ومحبي الطبيعة على حد سواء.
تلك الطيور ذات الريش الوردي الساطع أو الأحمر، التي تبدو وكأنها لوحة فنية تسبح في المياه الضحلة، لم تكن دائماً تحمل هذا الزي الجذاب، بل إن لونها قد مر بمراحل تحول مثيرة عبر الزمن، السر وراء ذلك يكمن في الغذاء الذي تتناوله.
وارتبطت صورة طائر الفلامنجو باللون الوردي المميز، لكن هذا اللون ليس فطريًا كما قد يظن البعض، وتلك الظاهرة الطبيعية والتي تحكمها عدة عوامل مرتبطة بالبيئة والغذاء، تعتبر موضوعًا شيقًا يكشف كثيرًا عن علاقة الكائنات الحية بمحيطها.
يُعتقد أن أسلاف طائر الفلامنجو قد كانت تمتلك ريشًا ذا لون أبيض أو رمادي باهت، مشابهة في ذلك للعديد من الطيور المائية الأخرى. وعبر الزمن، مع تطور الأنواع وتغير العادات الغذائية، بدأت تظهر الألوان الزاهية التي نراها اليوم.
وطائر الفلامنجو، الذي يتغذى بشكل أساسي على الروبيان، الطحالب، والميكروبات التي تعيش في المياه المالحة أو القلوية، يحصل على هذه الصبغة اللونية الطبيعية من مادة تُسمى الكاروتينويدات الموجودة في غذائه.
الكاروتينويدات هي مركبات كيميائية تُنتجها النباتات وبعض الكائنات الحية التي تعيش في المياه كالطحالب، وتكون مسؤولة عن الألوان الحمراء، البرتقالية، والصفراء في الكثير من الفواكه والخضروات.
عندما يتغذى طائر الفلامنجو على هذه المصادر، فإنه يمتص الكاروتينويدات التي تُخزن في دهون الجسم وتُفرز في الغدد الدهنية، عندما تحين موسم طرح الريش، يتم توزيع تلك المركبات عبر الريش الجديد، مانحة إياه تلك الألوان الوردية والحمراء الزاهية.
ومن الجدير بالذكر أن مقدار ودرجة اللون الوردي أو الأحمر في ريش الفلامنجو تعتمد أيضًا على صحته وحالته النفسية، فإن طيور الفلامنجو التي تعيش في بيئات أقل ملوحة ومع توافر غذاء غني بالكاروتينويدات تكون أكثر زهاءً بألوانها مقارنة بأقرانها التي قد تعاني من نقص في هذه المركبات بسبب النقص في الغذاء المناسب.
من المهم الإشارة إلى أن الفلامنجو يُظهر تأقلمًا ملفتًا مع بيئته المتغيرة، حيث يستطيع تعديل نظامه الغذائي بما يتناسب مع توافر الغذاء، ما يؤثر بالتالي على لون ريشه، يظهر ذلك جليًا لدى مقارنة طيور الفلامنجو البرية بنظيرتها في الأسر، حيث تُعطى طيور الفلامنجو في حدائق الحيوان أغذية معززة بالكاروتينويدات لضمان الحفاظ على درجة لونها الجذاب.
لم يُغفل العلماء أيضًا التأثيرات الوراثية في تحديد لون ريش طيور الفلامنجو، فبالرغم من أن الغذاء يلعب الدور الرئيسي في تحديد زهو ريش الطائر، إلا أن الجينات تلعب دورًا في تحديد قدرة الطائر على امتصاص الكاروتينويدات وتخزينها وتوزيعها عبر الريش.
كما تقدم دراسة التحول اللوني لطيور الفلامنجو نموذجاً فريداً للتكيف البيولوجي والتطور، حيث تظهر أهمية التكامل بين العوامل البيئية والغذائية والوراثية في الحفاظ على هذا التنوع البيولوجي الرائع الذي نراه أمامنا اليوم.
إن هذه الطيور ليست مجرد كائنات تتجول في المياه الضحلة بحثاً عن الغذاء، بل هي مثال حي على عجائب التكيف والتغير الذي يمكن أن تخلقه الطبيعة عبر الأجيال.