يقول الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء ثُمَّ إِلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38]، ويقول أيضًا: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور: 41].
تُشير هذه الآيات إلى أن جميع الكائنات تسبح لله وتعبده بطرق قد لا ندركها، ومن بين هذه العبادات ما يشبه الصيام، حيث تمتنع بعض الحيوانات عن الطعام في ظروف معينة، كالتأقلم مع البيئات القاسية أو خلال فترات السبات.
الجمل.. الصائم الصبور في قلب الصحراء
الجمل، الملقب بـ"سفينة الصحراء"، يُعد من أكثر الحيوانات قدرة على تحمل الجوع والعطش في ظروف الصحراء القاسية, يعتمد الجمل على الكتلة الدهنية في سنامه لتوفير الطاقة اللازمة له أثناء فترات نقص الغذاء.
فعندما يمتلئ السنام بالدهن، تقل رغبة الجمل في الأكل إلى حد الامتناع التام عن الطعام، ما يُشبه حالة صيام حقيقي تستمر حتى يستهلك جزءًا كبيرًا من هذا المخزون.
الجمل أيضًا قادر على تحمل فقد الماء بنسبة تصل إلى 30% من جسمه، وهي نسبة قد تكون قاتلة للكائنات الأخرى، كما يُجتر الجمل في كثير من الأحيان دون تناول طعام، مما يُعزز فكرة دخوله في حالة من الامتناع الطوعي عن الأكل.
دور الجمل في حياة البدو
في كتابه "بدو العراق والجزيرة العربية بعيون الرحالة"، ذكر الكاتب علي عفيفي علي غازي أن الرحالة كانوا ينبهرون بذكاء الجمل وإدراكه لمشاعر صاحبه، ودهشوا أكثر حين لاحظوا فترات امتناعه عن الطعام، وكأنه يدخل في حالة من الصيام.

الجمل في القرآن الكريم
ورد ذكر الجمل بأكثر من اسم في القرآن، مثل الإبل والبعير والأنعام، وذُكر لفظ "الجمل" في سورة الأعراف، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 40].
يُعد الجمل نموذجًا حيًا للصبر والتحمل، ومعجزة ربانية تُجسد قدرة الخالق في تكييف مخلوقاته مع بيئاتها، ما يُذكرنا دائمًا بأهمية التأمل في الكون والكائنات من حولنا.