تشهد دول وسط أوروبا أسوأ موجة لتفشي مرض الحمى القلاعية منذ أكثر من نصف قرن، مما أدى إلى حالة من الذعر والاستنفار بين السلطات والمزارعين, وقد دفعت هذه الأزمة دولًا مثل المجر وسلوفاكيا والنمسا إلى إغلاق حدودها وذبح آلاف رؤوس الماشية في محاولة يائسة للسيطرة على الانتشار السريع لهذا الفيروس الفتاك، الذي يهدد بتقويض الثروة الحيوانية والأمن الغذائي في القارة.
الحمى القلاعية: عدو خفي يفتك بالماشية
الحمى القلاعية هي مرض فيروسي شديد العدوى يستهدف الحيوانات ذات الظلف المشقوق كالأبقار والأغنام والماعز, وينتج هذا المرض عن فيروس ينتمي إلى عائلة البيكورنافيريدي، ويضم سبعة أنماط مصلية مختلفة، الأمر الذي يعقد جهود السيطرة عليه بسبب غياب المناعة المتبادلة بين هذه الأنماط.

تبدأ أعراض المرض بظهور حمى مفاجئة، وفقدان للشهية، وشعور بالاكتئاب، وانخفاض حاد في إنتاج الحليب, سرعان ما تتبع ذلك ظهور حويصلات مؤلمة داخل الفم وبين أصابع الأرجل وعلى الضرع، والتي تنفجر لاحقًا لتتحول إلى تقرحات تعيق قدرة الحيوان على الأكل والحركة, وتشمل أبرز الأعراض ارتفاع درجة حرارة الحيوان إلى 42 درجة مئوية، وتوقف إنتاج الحليب، وظهور تقرحات مؤلمة في الفم والحوافر، وعرج شديد، بالإضافة إلى النفوق السريع للعجول والحملان دون ظهور أعراض واضحة في بعض الحالات.
انتشار سريع عبر الهواء والاتصال غير المباشر
ينتقل فيروس الحمى القلاعية بسهولة بالغة بين الحيوانات عبر عدة طرق، بما في ذلك الهواء والرياح، والاتصال المباشر بالحيوانات المصابة، والأسطح الملوثة مثل المركبات والأدوات الزراعية, كما يمكن أن ينتقل الفيروس عبر إفرازات الجسم مثل اللبن والسائل المنوي، وحتى عن طريق الإنسان نفسه كناقل غير مباشر من خلال الملابس أو الأحذية الملوثة, ويتميز هذا الفيروس بقدرته على البقاء حيًا في البيئات الباردة لفترات طويلة، مع وجود احتمالية لبقائه في التربة واللحوم المجمدة ومنتجات الألبان غير المبسترة.
هل يشكل المرض خطرًا على الإنسان؟
على الرغم من أن انتقال الحمى القلاعية إلى الإنسان يعتبر نادرًا، إلا أنه يبقى احتمالًا قائمًا في حالات التلامس المباشر مع الحيوانات المصابة، خاصة أثناء عمليات الذبح أو الحلب أو تناول الحليب غير المغلي, ومع ذلك، تؤكد المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC) أن الفيروس لا يصنف كخطر مباشر على حياة الإنسان, ومن الضروري التمييز بين الحمى القلاعية ومرض اليد والقدم والفم الذي يصيب الأطفال، حيث أنهما مرضان مختلفان تمامًا.

إجراءات وقائية مشددة لمواجهة التفشي
في ظل عدم وجود علاج مباشر لفيروس الحمى القلاعية، تعتمد الدول المتضررة على مجموعة من الإجراءات الصارمة للوقاية والسيطرة على انتشاره. تشمل هذه الإجراءات التحصين الدوري للحيوانات كل 4 إلى 6 أشهر، والإعدام الفوري للحيوانات المصابة والمخالطة لها في الدول المتقدمة، وعزل الحيوانات التي تظهر عليها أعراض الإصابة، وتطهير الحظائر والأدوات الزراعية بشكل دقيق باستخدام مطهرات قوية مثل هيدروكسيد الصوديوم وكربونات الصوديوم, بالإضافة إلى ذلك، يوصي الأطباء البيطريون بتوفير أعلاف ناعمة وسهلة الهضم للحيوانات، وتنظيف الفم والضرع بمطهرات خفيفة، ومعالجة الأقدام المصابة بكبريتات النحاس ودهانها بقطران طبي.
أوروبا في حالة طوارئ: إغلاق حدود وذبح للماشية
بدأ تفشي المرض في شهر مارس من العام الجاري 2025 في مزرعة تقع شمال غرب المجر، وسرعان ما امتد ليشمل سلوفاكيا, وحتى الآن، تم تسجيل إصابات في ست مزارع أخرى، مما أسفر عن إعدام أكثر من 3000 رأس ماشية, وقد دفعت هذه التطورات المقلقة كلاً من المجر وسلوفاكيا والنمسا إلى إغلاق حدودها المشتركة وتطبيق إجراءات تطهير صارمة على المعابر الحدودية لمنع المزيد من انتشار الفيروس, من جانبها، أعلنت جمهورية التشيك عن اتخاذ تدابير احترازية مشددة على الرغم من عدم تسجيل أي حالات إصابة لديها، حيث فرضت رقابة صارمة على حركة الشاحنات ومعدات النقل, وفي سياق متصل، ناشدت هولندا معاهد الأبحاث العالمية لتقديم المساعدة العاجلة لإنقاذ ثروتها الحيوانية من هذا التهديد المتزايد.
الخطر الأكبر يكمن في الأسطح الملوثة
يحذر الخبراء من أن الخطر الأكبر لانتقال مرض الحمى القلاعية لا يقتصر على الاتصال المباشر بالحيوانات المصابة، بل يمتد ليشمل الأسطح والأشياء التي يستخدمها البشر، مثل إطارات السيارات، والأحذية، وحتى المواد الغذائية, فالاحتكاك غير المباشر بالحيوانات المصابة يمكن أن يكون كافيًا لنقل العدوى إذا لم يتم اتخاذ إجراءات السلامة اللازمة.

إجراءات فورية عند الاشتباه بالإصابة
في حال الاشتباه بإصابة أي حيوان بمرض الحمى القلاعية، يجب عزله على الفور وإبلاغ السلطات البيطرية المختصة, كما يتعين تطهير المكان والمعدات المستخدمة بشكل شامل، وحرق أو دفن المخلفات بشكل آمن لمنع انتشار الفيروس, ويشدد الخبراء على ضرورة منع نقل الحيوانات أو منتجاتها من المناطق المشتبه بإصابتها.
على الرغم من أن الحمى القلاعية لا تشكل خطرًا مباشرًا على صحة الإنسان، إلا أنها تمثل تهديدًا اقتصاديًا وصحيًا بالغ الخطورة على قطاع الثروة الحيوانية والأمن الغذائي, ويجعل انتشارها السريع وقدرتها على البقاء في البيئة لفترات طويلة السيطرة عليها تحديًا كبيرًا يتطلب تدخلًا دوليًا وتنسيقًا وتعاونًا وثيقًا بين الحكومات والمزارعين والمنظمات الدولية المتخصصة.